صور الأقمار الصناعية تكشف فظائع مروعة في الفاشر السودانية بعد سقوطها بيد قوات الدعم السريع
الخرطوم – الجمهورية والعالم
كشفت صور الأقمار الصناعية وشهادات الناجين عن مشاهد مروعة لما وُصف بـ”المجزرة” في مدينة الفاشر شمال دارفور، بعد سقوطها في أيدي قوات الدعم السريع عقب حصار دام 18 شهراً، وسط اتهامات بارتكاب عمليات إعدام ميداني واغتصاب ونهب واختطاف بحق المدنيين.
تُظهر الصور ومقاطع الفيديو الموثقة من قبل منظمات دولية وجماعات مراقبة مجموعات من الجثث ملقاة في الشوارع، وأخرى داخل مبانٍ جامعية ومواقع عسكرية، بينما تشير تقارير إنسانية إلى أن المدينة تحولت إلى ما يشبه “فخ الموت” لسكانها المحاصرين.
حرب دامية وجرائم متبادلة
جاءت سيطرة قوات الدعم السريع، وهي جيش شبه عسكري يقوده اللواء محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بعد معارك طاحنة مع الجيش السوداني بقيادة اللواء عبد الفتاح البرهان، الذي يدير شؤون البلاد بحكم الأمر الواقع منذ أكثر من عامين. وتبادل الطرفان الاتهامات بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات واسعة ضد المدنيين في مناطق النزاع.
وضع إنساني “مروع”
وصفت وزارتا الخارجية الألمانية والبريطانية الوضع في الفاشر بأنه “مروع”، فيما أظهرت الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة أن المدينة كانت تؤوي نحو 260 ألف نسمة حتى نهاية أغسطس/آب الماضي.
ومع اشتداد المعارك، فرّ أكثر من 65 ألف شخص، معظمهم إلى مدينة طويلة غرب الفاشر، إلا أن منظمة أطباء بلا حدود أعلنت أن عدد من وصلوا فعلياً إلى نقاطها الطبية خلال الأيام الأخيرة لم يتجاوز خمسة آلاف شخص فقط، ما أثار المخاوف بشأن مصير عشرات الآلاف من المفقودين.
روايات الناجين: قتل وتعذيب واغتصاب
قال ميشيل أوليفييه لاشاريتي، مدير الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود، إن الشهادات القادمة من المدينة “مروعة”، مضيفاً:
“أعداد الناجين لا تتناسب مع حجم الكارثة، في حين تتزايد روايات القتل الجماعي والعنف الجنسي. يبدو أن كثيرين يُقتلون أو يُمنعون من الهروب أثناء محاولتهم الفرار.”
وأكد أن المنظمة تدعو قوات الدعم السريع إلى احترام المدنيين والسماح لهم بممرات آمنة، كما طالب الدول ذات النفوذ في المنطقة — الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر — بالتدخل العاجل لوقف المجزرة.
تحقيق مثير للجدل
في المقابل، أعلن الجنرال حميدتي الخميس الماضي عن فتح تحقيق داخلي في تصرفات مقاتليه بعد انتشار مقاطع مصورة أظهرت إعدامات ميدانية بحق مدنيين عُزّل في الفاشر، وفقاً لتحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC).
لكن مسؤولين دوليين، من بينهم توم فليتشر، منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، شككوا في جدية التحقيق، واعتبروا الإعلان “مجرد خطوة شكلية” لاحتواء الغضب الدولي.
استيلاء كامل على دارفور
وبسيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، تكون قد فرضت نفوذها على المدن الخمس الرئيسية في إقليم دارفور، في حين يحتفظ الجيش بسيطرته على شمال وشرق ووسط السودان.
من المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة لمناقشة الوضع في السودان، الذي يعيش منذ أكثر من عامين واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
وفي سياق الدعم الإنساني، أعلنت المملكة المتحدة عن تقديم 5 ملايين جنيه إسترليني إضافية كمساعدات طارئة للسودان، إلى جانب 120 مليون جنيه سبق تخصيصها لمواجهة تداعيات الصراع.
*السودان.. انهيار أرضي مدمر في دارفور يخلف أكثر من ألف قتيل وناجٍ واحد فقط
تُعد مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في غرب السودان، وإحدى أقدم المدن التاريخية في الإقليم. كانت مقرّاً لسلطنة دارفور في القرون الماضية، ومركزاً تجارياً هاماً يربط غرب إفريقيا بالسودان عبر طرق القوافل القديمة.
يبلغ عدد سكانها مئات الآلاف، وتضم مؤسسات تعليمية بارزة مثل جامعة الفاشر، إضافة إلى سوقها الشهير الذي كان من أكبر أسواق دارفور.
قبل اندلاع النزاع المسلح، كانت المدينة تُعرف بتنوّعها العرقي والثقافي وبدورها كمركز إداري وإنساني رئيسي لعمليات الإغاثة الدولية في الإقليم. إلا أن الحرب الدائرة منذ عامين جعلتها من أكثر المدن تضرراً، حيث تحولت من رمز للتعايش والتجارة إلى بؤرة للعنف والمعاناة الإنسانية.
اقرأ أيضا:
ملايين السودانيين يتضورون جوعًا بسبب الحرب والأزمات السياسية
مصادر استخباراتية: دعم إماراتي عبر ليبيا وتشاد مكّن قوات الدعم السريع من السيطرة على الفاشر