تحقيق خاص | تغلغل جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا يثير الجدل: هل تسلك باريس ودول أوروبية أخرى مسار الحظر؟

583

إعداد: قسم الشؤون الدولية – نجاة آبو قورة 

تتجه الأنظار مجددًا إلى فرنسا، حيث تعود قضية جماعة الإخوان المسلمين إلى واجهة الجدل السياسي والأمني، عقب تقرير صحفي نشرته صحيفة لوفيغارو الفرنسية، وصف تغلغل الجماعة في المجتمع الفرنسي بـ”الاختراق واسع النطاق”، ما دفع الرئاسة الفرنسية إلى التحرك الفوري وفتح ملف الجماعة على أعلى مستوى أمني وسياسي.

ويأتي ذلك في وقت تزايدت فيه التحذيرات من تصاعد نفوذ الجماعة داخل النسيج المجتمعي الفرنسي، وامتداد نشاطها إلى التعليم والعمل الخيري وحتى في أوساط الشباب.

في ظل هذا المناخ المشحون، يطرح تساؤل مهم نفسه: هل تتجه فرنسا ودول أوروبية أخرى إلى نهج الحظر الكامل للجماعة، كما فعلت بعض الدول العربية التي اعتبرتهاجماعة إرهابية؟

اجتماع طارئ في الإليزيه: الأمن القومي في قلب النقاش

السيسي وماكرون

برئاسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، انعقد اجتماع رفيع المستوى في قصر الإليزيه مساء الأربعاء، شارك فيه عدد من الوزراء، من ضمنهم رئيس الحكومة فرانسوا بايرو، ووزير الداخلية اليميني رونو روتايو، بحضور مجلسي الأمن القومي والدفاع.

وجاء الاجتماع لبحث تقرير وصف بالتفصيلي والخطير حول تغلغل جماعة الإخوان المسلمين في بعض المقاطعات الفرنسية، والذي أعدّه دبلوماسي فرنسي رفيع يتقن العربية، بتكليف من وزارات الداخلية والخارجية والدفاع.

أرقام ودلالات: 138 مسجدًا و280 جمعية تابعة للإخوان

التقرير، الذي جاء نتيجة مقابلات مع 45 أستاذًا جامعيًا فرنسيًا ومسؤولين ومواطنين من الجالية المسلمة، أشار إلى أن التنظيم يعتمد على آليات متعددة تهدف إلى “إعادة الأسلمة” و”الانفصالية المجتمعية”.

  • عدد أماكن العبادة المرتبطة بالإخوان: 138 مسجدًا ومصلى تعتبر مراكز أساسية للجماعة.
  • عدد الجمعيات المرتبطة بالتنظيم: 280 جمعية تنشط في الدعوة، التعليم، العمل الخيري، الشباب والمجال المهني.
  • عدد المقاطعات المتأثرة: التنظيم حاضر في 68 موقعًا ضمن 55 مقاطعة فرنسية.
  • عدد دور العبادة الإسلامية في فرنسا عمومًا: نحو 2800، منها 10% افتُتحت ما بين 2010 و2020.

المدارس والجمعيات: أدوات ناعمة لنفوذ عميق

ركّز التقرير على النشاط التربوي باعتباره أولوية استراتيجية لدى الإخوان، مشيرًا إلى تزايد أعداد الفتيات الصغيرات اللاتي يرتدين الحجاب في مناطق بعينها، رغم النظام العلماني الفرنسي الذي يمنع ارتداء الرموز الدينية في المؤسسات العامة والتعليمية.

في مثال لافت ذكرته مجلة لوبوان، يدير مدير مكتب رئيس بلدية مدينة كولومب مدرسة قرآنية، ما يعكس مدى تداخل السياسي بالديني في بعض الإدارات المحلية.

درع الجمهورية العلمانية في مواجهة الإسلام السياسي

صرّح وزير الداخلية رونو روتايو أن هدف جماعة الإخوان هو دفع الفرنسيين للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وهو أمر يتعارض جذريًا مع مبادئ الجمهورية الفرنسية القائمة على العلمانية وفصل الدين عن الدولة.

زعيمة حزب التجمع الوطني اليمينى المتطرف، ماريان لوبان

وأضاف روتايو، المنتمي إلى حزب “التجمع الوطني” اليميني المتشدد، الذي تقوده مارين لوبان، أن الحكومة ستتخذ إجراءات حازمة لمواجهة هذه الظاهرة التي تمتد جذورها إلى أكثر من 50 عامًا، مع التزام بعدم السماح لأي تنظيم بالعبث بالأمن القومي الفرنسي.

تحولات مجتمعية ودينية: بين الكاثوليكية والإسلام

رصد التقرير كذلك ظاهرة عودة التدين لدى الشباب الكاثوليكي وتردده على الكنائس، في موازاة تنامي مشاعر التدين بين الشباب المسلم.

هذه التحولات، بحسب محللين، قد تدفع باتجاه صعود اليمين المتطرف، خصوصًا في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة خلال عامين، وبعد تراجع شعبية ماكرون في عدد من المقاطعات.

هل يفتح الملف أوروبياً؟

يبقى التساؤل مطروحًا حول ما إذا كانت فرنسا ستدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ موقف موحد أو سياسة أمنية تجاه جماعة الإخوان المسلمين، خاصة مع وجود تقارير مشابهة في دول كألمانيا، بلجيكا، والنمسا.

ورغم أن التقرير لم يتضمن وثائق تؤكد سعي الجماعة إلى إقامة “دولة إسلامية” في فرنسا، إلا أنه دعا إلى خطة بعيدة المدى للحد من صعود الإسلام السياسي، مع التأكيد على أهمية إطلاق مبادرات إيجابية تجاه المسلمين، وتعزيز خطاب علماني مرن ومجدّد يتماشى مع الواقع المجتمعي.

خلاصة: بين الخطر والاحتواء

تكشف الوثيقة الفرنسية عن واقع معقد، لا ينحصر فقط في البعد الأمني، بل يمتد إلى الهوية، والتعليم، والعمل الأهلي، ما يفرض على الدولة الفرنسية مقاربة شاملة تحافظ على توازن دقيق بين حماية أمنها القومي، واحترام الحريات الدينية، وتفادي تعزيز خطاب الكراهية.

وفيما تتحرك فرنسا ببطء ولكن بحذر، تبقى أعين الأوروبيين، والعالم العربي، تترقب: هل تتجه باريس إلى تصنيف الجماعة ككيان محظور؟ وهل تبدأ أوروبا مسارًا مشابهًا بعد نصف قرن من “الصمت”؟

اقرأ أيضا:
تفكيك مخططات تخريبية.. حظر شامل لجماعة الإخوان في الأردن
“الذئاب الرمادية” جماعة إرهابية حظرتها فرنسا والبرلمان الألماني يضعها تحت المراقبة
وثائق أمريكية مسربة تكشف تعاون هيلاري كلينتون مع جماعة الإخوان لتفكيك الداخلية ونشر الفوضى بمصر والعالم العربى 

Visited 44 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه