طالبان: من النشأة إلى السيطرة المطلقة على أفغانستان

745

كتبت : د/سارة غنيم

حركة طالبان، التي تعني اسمها “طلاب القرآن”، تعد واحدة من أبرز الجماعات السياسية الأصولية الإسلامية في العالم، ولدت في تسعينيات القرن الماضي في باكستان، قبل أن تنطلق بقوة إلى الساحة الأفغانية.

 على مدار عقود، تطورت طالبان من مجموعة صغيرة إلى منظمة عسكرية قوية، نجحت في السيطرة على أفغانستان مرتين، آخرهما بعد انسحاب القوات الأمريكية في عام 2021، ما جعلها تفرض نفسها كحاكم شبه مطلق للبلاد.

البدايات والنشأة

على الرغم من ارتباطها بشدة بالمجتمع البشتوني في أفغانستان، بدأت حركة طالبان فعليًا في باكستان أوائل التسعينيات، وتحديدًا في مدينة كويتا.

كان الملا محمد عمر مجاهد هو المؤسس والزعيم الأول للحركة، والذي استطاع بدعم باكستاني قوي استقطاب أتباع من بين ملايين اللاجئين الأفغان، خاصة من البشتون الذين تجمعوا في المناطق الحدودية والمدن الباكستانية الكبرى.

بدأت طالبان كحركة دينية تهدف إلى تحرير المجتمع وتعزيز “الانضباط الديني”، لكنها سرعان ما تحولت إلى قوة عسكرية منظمة.

بحلول عام 1994، بدأت الحركة في التوسع عسكريًا، مستهدفة مدينة قندهار كأول محطة رئيسية لها.

الصعود إلى السلطة

انطلاقًا من قندهار، حققت طالبان تقدمًا مذهلًا على الأراضي الأفغانية، وبلغت ذروته في عام 1996 بالسيطرة على العاصمة كابول. هذا التقدم السريع كان مدعومًا بنقمة الأفغان على أمراء الحرب الذين أفسدوا البلاد بعد انسحاب القوات السوفييتية عام 1989 وانهيار النظام الشيوعي في عام 1992.

في ظل هذا الفراغ السياسي والاجتماعي، تمكنت طالبان من تقديم نفسها كبديل للنظام الفاسد، ما ساعدها في كسب تأييد شعبي واسع، رغم سياساتها المتشددة.

عشية الغزو الأمريكي في عام 2001، كانت الحركة تسيطر على 75% من أراضي أفغانستان، فيما كان التحالف الشمالي بقيادة الجنرال أحمد شاه مسعود والرئيس برهان الدين رباني يمثل العقبة الرئيسية أمام سيطرتها المطلقة.

الواقع تحت حكم طالبان

تحت حكم طالبان، أوقفت الحركة موجات العنف والفوضى التي شهدتها أفغانستان في أعقاب الحرب الأهلية، لكنها أقامت نظامًا استبداديًا صارمًا.

فرضت الشريعة الإسلامية وفق تفسيرات متشددة، بالإضافة إلى قوانين “البشتونوالي”، وهو القانون القبلي التقليدي للبشتون، ما جعل الحياة اليومية قاسية بشكل كبير، خاصة على النساء والأقليات.

طالبان: التحالف مع القاعدة والصراع الطويل مع الولايات المتحدة.

علاقة طالبان مع بن لادن والإرهاب الدولي

تميزت فترة حكم طالبان الأولى (1996-2001) بتشكيل شراكة وثيقة مع تنظيم القاعدة، بقيادة أسامة بن لادن، الذي اعتُبر “شيخ الإرهاب”.

قدم تنظيم القاعدة دعمًا عسكريًا لحركة طالبان خلال صعودها إلى السلطة، حيث ساهم “الفيلق الأجنبي للجهاديين العرب” في معاركها مقابل الحصول على ملاذ دائم في أفغانستان.

بلغ هذا التحالف ذروته في سلسلة من الأحداث المفصلية، أبرزها اغتيال أحمد شاه مسعود، القائد المناهض لطالبان، بتفجير انتحاري في 9 سبتمبر 2001.

بعد يومين فقط، نفذ تنظيم القاعدة هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة، وهو ما غير وجه العالم وأصبح نقطة تحول رئيسية لحركة طالبان.

الحرب الأمريكية وطرد طالبان

ردًا على الهجمات، شنت الولايات المتحدة، بالتعاون مع التحالف الدولي وقوات التحالف الشمالي، هجومًا عسكريًا واسع النطاق على أفغانستان في 7 أكتوبر 2001.

أطيح بحكومة طالبان سريعًا، وسيطرت القوات الدولية على كابول والمدن الكبرى.

لجأت طالبان إلى المناطق الجبلية الحدودية بين أفغانستان وباكستان، حيث أعادت تنظيم صفوفها واعتمدت استراتيجيات قتالية تشبه تلك التي استخدمها المجاهدون ضد السوفييت.

على مدى العقدين التاليين، تمكنت طالبان من تعزيز وجودها واستعادة نفوذها تدريجيًا. بحلول 30 أغسطس 2021، ومع انسحاب القوات الأمريكية والقوات الدولية المتبقية، انهارت حكومة جمهورية أفغانستان الإسلامية الموالية للغرب، مما أتاح لطالبان استعادة السيطرة الكاملة على البلاد.

الوضع الراهن في أفغانستان

بعد عودتها للسلطة، أسست طالبان مرة أخرى “إمارة أفغانستان الإسلامية”، مستندة إلى تطبيق صارم للشريعة الإسلامية والعرف البشتوني التقليدي.

وعلى الرغم من هيمنتها على المستوى الرسمي، تواجه طالبان تحديات أمنية كبيرة، أبرزها هجمات تنظيم داعش-ولاية خراسان، وعمليات المقاومة التي يقودها أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود.

ورغم أن كلا التهديدين لم يتمكنا حتى الآن من تشكيل تحدٍ كبير لسيطرة طالبان، إلا أن الأوضاع في أفغانستان تبقى غير مستقرة.

 ومع تعقيد المشهد الداخلي وتصاعد الأزمات الإنسانية والاقتصادية، لا تزال البلاد في دائرة الترقب المستمر، مما يجعل أي استقرار طويل الأمد أمرًا غير مؤكد.
اقرأ أيضا:
بأمر من المرشد الأعلى: طالبان تحظر النوافذ للحفاظ على خصوصية النساء
“ظلام وراء البرقع: طالبان تحظر تعليم النساء في مجال الصحة”
أفغانستان: طالبان تفرض قانوناً جديداً يحظر نشر صور الكائنات الحية في وسائل الإعلام
قانون طالبان يحظر الرجال بدون لحى أو بلحية قصيرة ويمنع قصات الشعر غير المتوافقة مع الشريعة

Visited 13 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه