نبيل عمر يكتب :ثلاث حكايات مثيرة جدا

1٬736

نبيل عمر

1ـــ رسالة غاضبة من الأستاذة أمينة فخري، تسألني: ما هدفك من مقال «جمعية تأديب الأزواج» الذى نشرته قبل أسبوعين؟، وكان مقالا عن زوجات يلتقين على باب مدرسة  أولادهن، وتعرفن وتكلمن معا، وهن يشعرن بالقلق على حياتهن الزوجية، وفكرن فى تصريح مكتوب يوافقن عليه، يحد من خروج أزواجهن من البيوت بعد العودة من العمل إلا بشروط معينة، وأجابت الأستاذة أمينة بنفسها: قطعا هو جزء من حملة التشهير بالنساء، وأنهن مفتريات لا يعرفن من أمور دينهن شيئا، وأيضا هو تحريض على النساء واخضاعهن كالعبيد، ثم قالت: ياليتك تكتب عن أزمة الرجالة الآن، نعم «الرجولة» بمعناها الواسع فى تراجع واضح.

ضحكت ليس تقليلا من فحوى الرسالة، لكن من تفتيشها فى نيات الكاتب، وعموما التفتيش فى النيات صار عادة مصرية، فأى فعل أو عبارة لا أوافق عليه من كاتب أو شاعر أو صديق أو جار أو زميل أو قريب يجرى تفكيكها وتقليبها والطيران بها إلى مناطق لم تخطر على بال صاحبها، وقد يجد نفسه متهما فى محكمة أو تنتهى إلى شكوك وتفتيت علاقات وتفجير أزمات من العدم، لأن المقال المغضوب عليه يرصد موقفا اجتماعيا ساخرا، يشى بشيوع القلق فى مؤسسة الزواج، لعله يفيد فى أن يراجع الأزواج مسار علاقاتهم، وهل تحتاج منهم إلى مزيد من الجهد الإنسانى والنفسى للحفاظ على عائلات متمسكة قوية.

أما بالنسبة لأزمة الرجال، اعترف أن ثمة أزمة ظاهرة، فالرجولة خلطة قدرات عقلية ونفسية على  الحماية والمسئولية والعطاء والثقة والإرادة والاحترام والانضباط والتفهم والذوق واللطف،وقد لا يتمتع بها الكثيرون، ويبدو أن «الدلع» أو الحنان الزائد فى تربية «الولد» سبب من أسبابها، أى أن الحنية المفسدة للأجيال الصاعدة خاصة فى الطبقة الوسطى والوسطى العليا هى التى تحرم «الولد» من أن يصير رجلا حقيقيا، نعم نحن ندلل أولادنا ونقلل من اعتمادهم على أنفسهم وبناء شخصيات قوية قادرة على اتخاذ قرارات منفردة وتحمل نتائجها، خاصة فى التعليم الذى هو «معمل» التجهيز، بما فيه من علاقات مع الأقران والمدرسين والامتحانات..الخ، ما هى القيم التى نبثها فيهم بانتظارهم على أبواب امتحانات الإعدادية والثانوية العامة أو بالاستجابة لطلباتهم فى نوع الأكل الجاهز من الخارج والمشروبات الشائعة المضرة بالصحة؟، ما هى أسعار الموبايلات التى يملكها أولادنا من المرحلة الابتدائية بحجة الاطمئنان عليهم ومتابعتهم فى كل صغيرة وكبيرة، وهم يلعبون عليها ألعابا مؤذية لهم نفسيا وعقليا؟

نعم نحن نصنع أجيالا تفتقد كثيرا من معانى الرجولة، ويخشون الزواج  من فتيات لهن شخصيات قوية ومتفوقات جدا، وحين يفعلون لا يقدرون على الاحتفاظ بعائلاتهم، أو يتزوجون فتيات من نفس نوعيتهم، فترتفع نسبة الطلاق بشدة.

2ـــ يأخذنا مشهد أشرف حكيمى أخذا ويجعل قلوبنا ترفرف ابتهاجا، وهو يتجه إلى أمه يقبل رأسها ويدها، عقب كل مباراة للمغرب فى كأس العالم، يفعلها بتلقائية  برا ووفاء وحبا شديدا، وإذا كان كأس العالم 2022 قد حفل بمفاجآت كبيرة وأحداث مدهشة، يظل مشهد حكيمى وأمه هو الأعز والأرفع قيمة.. وحكيمى قصة كفاح عظيمة، فهو وُلِد غريبا فى بلد غريب، ولد فى إسبانيا لأبوين مهاجرين فقيرين، ربما من هؤلاء الذين خاطروا وركبوا البحر هروبا إلى حياة أفضل على الضفة الشمالية للبحر المتوسط، وربما أيضا ينالون بعضا مما نهبه المستعمر الإسبانى من المغرب، والذى مازال يحتل مليلة وسبتة منذ القرن الخامس عشر. الأب بائع متجول والأم خادمة فى المنازل، وقد وهبهما الله البصيرة، ليدركا موهبة ابنهما من الصغر، فعملا أن يكون رياضيا وفيا لوطنه الأم!

نفس السيناريو الذى مر به لاعبون محترفون عظام مع آبائهم وأمهاتهم، أمثال بيليه البرازيلي، ومارادونا الأرجنتيني، وكريستيانو رونالدو البرتغالي، ومحمد صلاح المصرى وعشرات غيرهم من أمريكا الجنوبية وإفريقيا القارتين اللتين استنزفهما الغرب قرونا طويلة، وهو ما لا يمر به اللاعبون الأوروبيون البيض، ربما رونالدو استثناء، فالبرتغال ليست من أغنياء أوروبا، ومن مشاهده الرائعة هديته لأمه فى عيدها سيارة مرسيدس أحدث موديل فى 2020. وطبعا نصفق للمغرب ونهتف لها وهى تصعد إلى الثمانية الكبار فى عالم كرة القدم، وكم نتمنى أن تعبر البرتغال إلى دور الأربعة.

3ــ  تعانى بعض الأندية المصرية مشكلات مالية وخلافات صاخبة وقضايا ومحاكم، صحيح هى مؤسسات عامة بحكم النشأة، إلا القليل منها أسسها رجال أعمال وشركات فى السنوات العشر الأخيرة استثمارا لم يتبلور بعد إلى ظاهرة حاكمة للنشاط الرياضى المصري، لكن الغريب أن عددا من أندية المشكلات يطلب تدخل الدولة لحل أزماتها، وهو طلب لا سند له من القانون سواء للنادى المأزوم أو للدولة التى لا يمكنها التدخل، فالأندية لها مجالس إدارة مستقلة منتخبة من جمعيات عمومية، وهذه المجالس تتمتع بكامل الصلاحية فى إدارة شئون النادى فى كل جوانبه وفق قوانين منظمة لعملها مثلها مثل أى مؤسسات فى أى نشاط عام، والحكومة تساند فقط فى الفرق القومية والمنافسات الفردية قاريا وعالميا، وبالمناسبة الدولة غير الحكومة، الدولة هى نحن جميعا شعبا ومؤسسات وحكومة داخل حدود معلنة، أى عموم المجتمع والسلطات الحاكمة، ولا أعرف لماذا  توجه أندية خطابها إلى الدولة وهى تقصد الحكومة، وبالطبع هى تعرف أن الحكومة لا يمكن أن تخرج من ميزانية الدولة دعما إلا بلوائح وقوانين يعلمها المجتمع، والأهم أن الحكومة لا تملك التدخل فى أى منازعات قضائية بين النادى والآخرين، فلتهدأ إدارات الأندية ولا تلعب على مشاعر الجماهير.

اقرأ أيضا: نبيل عمر يكتب :ليس مجرد قلة أدب!

Visited 7 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه