الصين كما لم أرها من قبل: رحلة إلى سبلينديد تشاينا “صور وفيديو”

رحلة الي قلب التاريخ "معركة الصين البهية" في قرية سبلينديد تشاينا

0 59

بقلم: محمد غنيم

كانت رحلتي إلى مدينة شينزن الصينية تشبه الانتقال من زمنٍ مألوف إلى عالمٍ جديد نابض بالحركة والضوء.
منذ اللحظة الأولى التي خرجتُ فيها من المطار، أحاطتني المدينة بعمارتها الباذخة وحداثتها المدهشة. الأبراج الزجاجية تلمع تحت شمسٍ خريفية لطيفة، والطرقات تنبض بالحياة: شوارع نظيفة، دراجات كهربائية صامتة، وروح تنظيمٍ لا تخطئها العين.

لكنّ ما شدّني أكثر من كلّ هذا البريق الحديث، كان وعدًا بزيارة مكانٍ يعيد الزمن إلى الوراء — إلى عصور الأباطرة والمعارك القديمة، حيث وُلدت الأساطير وصيغت هوية الصين الأولى.

على أطراف المدينة، تمتدّ قرية سبلينديد تشاينا (Splendid China Folk Village)، وهي متحف حيّ يجمع بين التاريخ والفنون الشعبية. وهناك تحديدًا كنت على موعدٍ مع عرضٍ مسرحي أسطوري يُعرف باسم “Splendid China Folk — The Battle of Ancient Field”، أو معركة الحقول القديمة، وهو عرض درامي ضخم يُقدَّم في مدرّج مفتوح تحت السماء، يجسّد معركةً تاريخية من عصور الصين القديمة، تشبه معركة تشي الشهيرة التي شكّلت إحدى المحطات الكبرى في التاريخ العسكري الصيني.

 

لم تكن الأضواء قد ارتفعت بعد، كان العصر يرخي أشعّته الذهبية على الساحة الترابية الواسعة التي تحوّلت إلى ميدان حربٍ حقيقي.، بدأ المشهد يتحوّل تدريجيًا إلى ملحمة حيّة.
من خلف الدخان ظهرت الجيوش في صفوفٍ منظمة، تتقدّمها الرايات الحريرية الحمراء، والخيول تندفع بقوةٍ تثير الغبار الحقيقي على المسرح الترابي.

كانت النيران تتراقص في الخلفية، والموسيقى تتصاعد في إيقاعٍ دقيق يمزج بين الرهبة والجمال.
لم يكن العرض مجرّد استعراضٍ بصري، بل رحلةٌ عبر الذاكرة الصينية، إلى زمنٍ كانت فيه المعارك تُخاض دفاعًا عن الأرض والكرامة، وتُروى بالألوان والضوء والحركة بدل الدم والسيوف.

المشهد كله كان أشبه بفيلمٍ تاريخي يُعرض أمامي على الهواء مباشرة؛ لا شاشات، لا مؤثرات رقمية، بل واقع ينبض بالدراما والدهشة.

في تلك اللحظات أحسست أن الزمن يعود إلى عصر الأباطرة، وأنني لم أعد سائحًا بل شاهدًا على أسطورة تُستعاد من رماد القرون.

كل تفصيلٍ كان لوحة فنية: تناغم الألوان، دقة الحركة، انسجام الممثلين، وضبط الإيقاع الذي يوازن بين الحقيقة والخيال.

كنت أرفع الكاميرا بين الحين والآخر لأوثّق المشهد، لكنّها كانت تعجز عن احتواء الإحساس. فهناك لحظات لا تُصوَّر، بل تُعاش بكلّ الحواس: هدير الخيول، صرير السيوف، وهتاف الجنود في مواجهةٍ تمثّل روح أمةٍ لا تُهزم.
حين انتهت المعركة، عمّ الصمت لثوانٍ كأن الجمهور كلّه يلتقط أنفاسه، ثم انفجر المدرّج بتصفيقٍ مدوٍّ، تصفيقٍ حمل في طيّاته انبهارًا واحترامًا لذلك الإرث العظيم الذي تحافظ عليه الصين وتقدّمه للعالم بهذا الجمال الفنيّ الباهر.

خرجتُ من المدرّج وأنا أحمل في هاتفي مقاطع مصوّرة، لكنّ الصورة الحقيقية ظلّت محفورة في الذاكرة: صينٌ تعرف كيف تصنع من التاريخ مسرحًا، ومن الأسطورة عرضًا ينبض بالحياة.
كانت تلك الليلة بالنسبة لي رحلة في قلب التاريخ، حيث التقت روح الرحّالة ببهاء الحضارة، وتحوّل الماضي إلى مشهدٍ لا يُنسى.

Visited 13 times, 13 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق