هل للدولة دين؟ قراءة في حدود السلطة ومجال العقيدة

"الدول كيانات اعتبارية، لا تُصلي ولا تصوم، ولا تؤمن ولا تُكفِّر...

0 77

كتب : خالد محمود

في عالم تتقاطع فيه السلطة مع المقدّس، وتتنازع فيه القيم بين الدين والدولة، تبرز الحاجة لتأمل هذا السؤال الجوهري: هل من المفترض أن تكون للدولة عقيدة؟ وهل يُمكن لمؤسسة اعتبارية أن تؤمن أو تكفر، تصلي أو تصوم، تدخل الجنة أو تُحاسب على معصية؟

الدولة، ببساطة، كيان أنشأه البشر من أجل التنظيم وإدارة شؤونهم العامة. هي أداة لضبط الحياة، لا لترتيب المصير الأخروي. في حين أن الأديان تُخاطب ضمير الإنسان وتسعى إلى تهذيبه، فالدولة تُخاطب سلوكه وحقوقه وواجباته كمواطن. لا أكثر.

رأينا عبر التاريخ دولًا حاولت أن تلبس ثوب الدين، فتقدّست سلطتها، وتعالى حُكّامها باسم النصّ، لكن ما حدث فعليًا كان عكس المقصود: تراجع العدل، وتكمّم النقد، وانهار التوازن بين الحاكم والمحكوم. فالقداسة تحمي من المساءلة، بينما الدولة لا تنهض إلا بالرقابة والمحاسبة.

الدين بطبيعته مطلق، قائم على الإيمان، بينما الدولة كيان بشري نسبي، قائم على التوافق والمصلحة العامة. حين نُقحم الدين في شؤون الدولة، فإننا نعرض الدين للتسييس، ونجرّ الدولة نحو التشظّي.

الإيمان لا يحتاج إلى سيف الدولة، بل إلى حرية الضمير. والدولة لا ينبغي أن تُملي على الناس كيف يعبدون، بل تضمن أن يكون لكل منهم الحق في أن يعبد أو لا يعبد، دون قسر أو تمييز.

الخلاصة أن الدول لا تُكافأ في الآخرة، لكنّها قد تُحاسَب في الدنيا إن أهملت العدل أو فرّطت في حقوق مواطنيها. الدين يظل مجالًا للضمير، بينما الدولة يجب أن تبقى مجالًا للعقل والقانون.

وحتى نصل إلى صيغة عادلة، ينبغي احترام الفصل بين ما هو روحي وما هو سياسي. فبهذا الفصل، نحمي الدين من التوظيف، ونحمي الدولة من الاستبداد.

وختامًا، لا تبنى الدول بالدعاء وحده، بل بالدستور، والمؤسسات، والعقلانية. وحين نفهم هذا التوازن، نصنع مجتمعات تحترم الإنسان، دينًا كان أم غير ذلك، وتصون كرامته كمواطن أولاً.

اقرأ أيضا:
“الإسلام السياسي في مواجهة العصر الرقمي: مأزق البقاء أم ضرورة التحوّل؟”
التسامح بين الأديان: حقيقة أم وهم؟
حنين الشاعر وشبابه الضائع: تحليل قصيدة ‘يا جارة الوادي
الآبائية والكهنوت في ميزان الفكر الحديث: حوار مع الكاتب المغربي يوسف هريمة
الحرب الدينية: بين التجارة والإنسانية
العقل في مواجهة الدين والفلسفة: استكشاف العلاقة بين الإيمان والمنطق 
الابتكار الأدبي: ليس في الفكرة فقط بل في الأسلوب  

Visited 28 times, 4 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق