قمة السبع في كندا.. انقسامات عميقة تهيمن على مشهد عالمي مضطرب
الشرق الأوسط يشعل الخلافات في قمة السبع: انقسام حول إيران وإسرائيل وتجاهل لأوكرانيا
ميلانو : نجاة أبو قورة
قمة السبع في كندا: خلافات حادة وظلال الحرب الشرق أوسطية تخيّم على المشهد
شهدت قمة مجموعة السبع التي انعقدت على مدار يومين، في 16 و17 يونيو، في منتجع جبلي منعزل بمقاطعة ألبرتا الكندية، حضورًا واسعًا لرئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، والتي شاركت للمرة السابعة في القمة إلى جانب ممثلي الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من أن مجموعة السبع تمثل أبرز اقتصادات العالم، فإن الخلافات بين قادتها باتت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، خاصة في ظل تصاعد التوترات الدولية، لا سيما الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي طغت على جدول الأعمال، في حين حظيت غزة بحضور محدود نسبيًا في النقاشات.
أجواء أمنية مشددة وقادة بارزون
انعقدت القمة وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة، شملت تعزيزات ضد التهديدات السيبرانية. شارك في الاجتماعات قادة كندا، الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، واليابان، بالإضافة إلى عدد من الضيوف، أبرزهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وأمين عام حلف الناتو مارك روته.

انسحاب أمريكي مبكر… ورسائل صادمة
أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجدل بمغادرته القمة مساء اليوم الثاني، ما فُهم على نطاق واسع كإشارة إلى الانقسامات الداخلية في المجموعة. وأوردت صحيفة 20 دقيقة الفرنسية أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زعم أن ترامب غادر لمتابعة جهود وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران. لكن ترامب نفى ذلك على منصته “تروث سوشيال”، مهاجمًا ماكرون واتهمه بـ”حب الدعاية” وسوء الفهم الدائم.
لقاءات ثنائية ورسائل متضاربة
أجرى ترامب لقاءً مع الرئيس الكندي مارك كارني الذي أكد في تصريحات سابقة أن “كندا ليست للبيع”، في إشارة إلى تصريحات ترامب السابقة حول إمكانية ضم كندا كولاية أمريكية.
اللقاء وصف بالمثمر، لكنه لم يسفر عن اتفاق حول الضرائب الجمركية، إذ لا تزال العلاقات التجارية بين البلدين تعاني من توترات، أبرزها الرسوم الأمريكية الباهظة على صادرات الصلب والألمنيوم الكندية.
تصعيد في الشرق الأوسط وغياب التوافق
على هامش القمة، طغت تطورات الحرب الإسرائيلية الإيرانية على المشهد. حيث أبدت رئيسة الوزراء الإيطالية دعمها لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، معتبرة أن الوضع “لم يعد إنسانيًا”.
أما المستشار الألماني فريدريش ميرتس، فأكد أن منع إيران من امتلاك سلاح نووي هو أولوية، مشيرًا إلى أن إسرائيل ترتكب “جرائم قذرة” لكنها تملك “الحق في الدفاع عن نفسها”.
وقد أشار ماكرون إلى أن ترامب قدم عرضًا لوقف إطلاق النار، في حين رفض الأخير ذلك تمامًا، متهمًا الرئيس الفرنسي بالترويج لأكاذيب.
أما رئيس الوزراء الياباني، شيغيرو إيشيبا، فقد وصف الضربات الإسرائيلية بـ”المؤسفة وغير المقبولة”، في حين شدد مودي على عمق العلاقات بين الهند وإيران، مما خلق تباينًا واضحًا مع مواقف بعض الدول الغربية.
الدعم لأوكرانيا وتراجع الأولوية في النقاش
من الملفت أن أوكرانيا لم تحظَ بالاهتمام المنتظر في القمة. فقد غادر ترامب دون لقاء زيلينسكي، مما أثار استياء الوفد الأوكراني.
كما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد بيان مشترك بشأن أوكرانيا بحجة أن صياغته “معادية لروسيا”.
وفي المقابل، أعلن رئيس الوزراء الكندي عن حزمة دعم جديدة لأوكرانيا بقيمة 4 مليارات دولار، تشمل مساعدات عسكرية وقروضًا لإعادة الإعمار تُسدَّد من الأصول الروسية المجمدة.
قضايا اقتصادية وتجارية في الخلفية
إلى جانب القضايا الجيوسياسية، ناقشت القمة ملفات اقتصادية مثل التجارة العالمية، وتأمين سلاسل الإمداد، وتطوير الذكاء الاصطناعي، وتهريب المهاجرين. كما حاول الرئيس الكندي التخفيف من حدة الخلافات عبر إصدار بيانات موجزة لكل قضية، بدلًا من بيان ختامي موحد، لتجنّب مزيد من الانقسامات، خاصةً في ظل المواقف المتباينة من إيران، غزة، وروسيا.
وقد دعت فرنسا وألمانيا إلى تقليل الاعتماد الاقتصادي على الولايات المتحدة، بينما شدد ترامب على أن “بوتين لم يكن ليغزو أوكرانيا لو بقي ضمن مجموعة الثمان”.
عودة إلى الجذور وتاريخ متقلّب
تأسست مجموعة السبع عام 1975 في رامبوبيه بفرنسا، وضمت حينها ست دول قبل أن تنضم كندا والمفوضية الأوروبية لاحقًا. ثم تحولت إلى مجموعة الثمانية بانضمام روسيا في 1998، قبل أن تُستبعد موسكو عام 2014 عقب ضمها شبه جزيرة القرم.
واليوم، وبينما تحتفل المجموعة بمرور نصف قرن على تأسيسها، يزداد التشكيك في مدى فعاليتها، في ظل غياب القدرة على اتخاذ قرارات ملزمة وغياب التوافق بين أعضائها.
ختام متوتر دون نتائج حاسمة
انتهت القمة دون بيان ختامي مشترك، باستثناء اتفاق رمزي على وضع خارطة طريق لتطوير الذكاء الاصطناعي، والتعاون في مكافحة حرائق الغابات وتهريب المهاجرين.
غابت الحرب الأوكرانية الروسية عن البيان، في حين بقيت الحرب الإسرائيلية الإيرانية الموضوع الأبرز.
واعتبر محللون أن ما تحقق على مدى ثلاثة أيام لم يرقَ إلى طموحات مجموعة تمثل أكثر من 44% من الناتج العالمي، ولكن فقط 10% من سكان العالم.
اقرأ أيضا:
فشل استفتاء التجنيس وقوانين العمل في إيطاليا وسط تدني نسبة المشاركة