المساجد والمدارس تحت الرقابة: هل بدأ تفكيك نفوذ الإخوان المسلمين في السويد؟

"لا لثقافة الشرف": رئيس وزراء السويد يشدد على مواجهة التطرف وحماية القيم الليبرالية

0 307

أوروبا- نجاة أبو قورة
تعيش السويد، ثالث أكبر دول الاتحاد الأوروبي، حالة من الجدل السياسي المتصاعد عقب نشر تقرير فرنسي حول تغلغل الإسلام السياسي في بعض مفاصل الدولة، لا سيما الدور المنسوب لجماعة الإخوان المسلمين.

ويبدو أن ستوكهولم بدأت بالفعل السير على خُطى باريس، وسط ضغوط سياسية متزايدة وتوجه حكومي نحو تقييم هذا “الاختراق” المحتمل.

ففي أعقاب التقرير الفرنسي، الذي أشار إلى أن جماعة الإخوان تستخدم المساجد والمدارس كوسائل للتأثير الأيديولوجي داخل المجتمعات الأوروبية، تم تشكيل لجنة حكومية في السويد لتحليل أبعاد هذا التأثير، ودراسة ما إذا كانت البلاد تواجه تحديات مشابهة لتلك التي تواجهها فرنسا.

رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون أعلن عبر صفحته الرسمية رفضه لما أسماه بـ”ثقافة الشرف”، مؤكدًا أن السويد تواجه صعوبات في ملف الاندماج تشبه ما يحدث في فرنسا، ما قد يُهدد الديمقراطية والليبرالية في البلاد. وأضاف: “يجب أن يحظى الجميع، نساءً ورجالاً، بحرية اختيار نمط حياتهم، بمن فيهم من وُلدوا لأبوين يحملان قيماً تقليدية تختلف عن القيم السويدية“.

وأشار إلى ضرورة مراجعة القوانين بما يسمح بمعاقبة من يسهّل أو يشارك في زواج القاصرات خارج البلاد، وهو ما دفع الحكومة لتأييد مقترح بتشديد العقوبات على الزواج القسري. كما تم اعتماد تعديل جوهري على قانون الخدمات الاجتماعية، يتيح للسلطات التدخل لحماية الأطفال من الجريمة والمشاكل الاجتماعية، حتى دون موافقة الوالدين.

وفي مؤتمر صحفي، قال وزير العدل السويدي غونار سترومر إن التمويل الأجنبي لبعض الجهات الدينية قد يُستخدم لتبرير العنف أو التحريض عليه، مشيرًا إلى مسجد شيعي خارج ستوكهولم يُشتبه في تلقيه تمويلاً من النظام الإيراني. وأوضح أن الحكومة تعكف على إعداد تشريع يفرض حظرًا كاملًا على التمويلات التي تُستخدم لأغراض مناهضة للديمقراطية.

كما أعلنت الحكومة نيتها استخدام وسائل المراقبة السرية، بما فيها التنصت الإلكتروني، ضد القُصّر دون سن الخامسة عشرة المتورطين في جرائم إرهاب. وصرّح وزير العدل أن السويد تواجه وضعًا خطيرًا في ما يتعلق بالجريمة المنظمة، مؤكدًا أن تشريعات جديدة بصدد التفعيل لمكافحة هذه الظاهرة.

جدير بالذكر أن حزب “ديمقراطيو السويد” (SD) اليميني الشعبوي، الداعم لتحالف رئيس الوزراء، يطالب بتشديد القيود على الهجرة وتقييد اللجوء، وهو ما انعكس في سياسات الحكومة الحالية. ويُعرف عن الحزب معاداته للمهاجرين، وقد تمكن من فرض شروطه على الحكومة كجزء من الدعم السياسي.

في المقابل، انتقد حزب اليسار V تلك السياسات، موجهاً خطابه للناطقين بالعربية في السويد، داعيًا إياهم إلى التصويت للتغيير وتحقيق العدالة.

وتواجه الحكومة السويدية أيضًا انتقادات حادة بشأن قانون سحب الجنسية من مزدوجي الجنسية المتورطين في تهديدات أمنية أو جرائم خطيرة. فبينما تؤيد الحكومة هذا الإجراء لتعزيز الأمن والمواطنة، ترى المعارضة أن القانون غامض وفضفاض، وقد يُستخدم لتقويض حقوق الإنسان تدريجيًا.

يُذكر أن السويد كانت من أوائل الدول من حيث مؤشر الديمقراطية، والسابعة عالميًا في التنمية البشرية. وانضمت إلى الاتحاد الأوروبي في 1995، ورفضت اعتماد اليورو بديلاً عن عملتها الوطنية (الكرونا السويدية) في استفتاء 2003.

وتحكم السويد وفق نظام ملكي دستوري، حيث يقتصر دور الملك كارل غوستاف السادس عشر على المهام الرمزية، وتُدار شؤون الدولة من قبل البرلمان (الريكسداغ) المكوّن من 349 نائبًا يمثلون ثمانية أحزاب.

وتُعد الجالية الإسلامية واحدة من أكبر الجاليات في أوروبا، ويُقدر عدد المسلمين في السويد بحوالي 900 ألف، أي نحو 6% من السكان. وتُعتبر “الرابطة الإسلامية في السويد” المظلة الأساسية لجماعة الإخوان المسلمين، وهي عضو في التنظيم الدولي للجماعة، ويرأسها عمر مصطفى، الناشط السياسي السويدي اللبناني الأصل وعضو حزب العمال الاشتراكي.

وتسعى الرابطة، بحسب تقارير رسمية، إلى الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية الإسلامية من خلال شبكة مدارس (5 مدارس إسلامية) ومنتدى الشباب المسلم، وقد وضعتها الهيئة السويدية لحماية المجتمع تحت الرقابة الأمنية منذ عام 2018.

وتشير المنظمات الحقوقية إلى أن المقترحات التشريعية لعام 2024 تثير القلق بشأن حرية التجمع وحقوق اللاجئين، خاصة في ظل منح الشرطة صلاحيات واسعة لإلغاء المظاهرات التي تُصنف بأنها تهديد للأمن القومي.

وفي تطور استراتيجي كبير، تخلّت السويد عن حيادها العسكري بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وانضمت إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتخطط لإنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة غوتلاند، ما اعتبرته روسيا تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.

يبقى المشهد السويدي في حالة ترقب، وسط تساؤلات متزايدة حول توازن البلاد بين حماية أمنها القومي والحفاظ على نموذجها الديمقراطي وحقوق الإنسان، في ظل تصاعد الخطاب الشعبوي وتنامي القلق من تغلغل الأيديولوجيات المتطرفة.

اقرأ أيضا:
تحقيق خاص | تغلغل جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا يثير الجدل: هل تسلك باريس ودول أوروبية أخرى مسار الحظر؟
تعليقا على سماح السويد بحرق المصحف.. رئيس الوزراء السويدي: حرية التعبير هي جزء أساسي من الديمقراطية ومصر تحذر

Visited 68 times, 1 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق