أ.د/ جودة مبروك محمد
إذا كانت اللغة أصواتًا يعبِّر بها كل قوم عن أغراضهم، كما قال عالم العربية (ابن جنيّ)، فإن الذكاء عامةً هو الكفاءة على إيجاد حلول سريعة وصائبة ومنتظمة ومنطقية لمسائل معقَّدة، ولا يمكن أن يتمَّ ذلك الإجراء إلاَّ مِن خلال وسيطٍ، يتمثَّل في اللغة الإنسانية، التي تُوصَفُ بالطّبيعية.
فبعد أن دخل الإنسان عالم التكنولوجيا واختراع الآلة الذكية أصبح بمقدوره أن يتفاعل بالتواصل مع هذه الآلة؛ لتحل له مشكلات ليس –الإنسان عامة- بمقدوره العضلي أو العقلي أن يقوم بحلِّها بهذه القدرة، وإنما من خلال عمليات عقلية معقدة بناء على وضع الآلة موضع العقل البشري، وذلك بتزويدها بمعلومات، وبرمجتها بطرق معينة، بحيث تقوم مقامه، وكأنها بديل عن إجراء الإنسان لهذه العمليات العقلية؛ ولذا سُمِّيَ ذلك بالذكاء الاصطناعيّ، وهو عكس الذكاء الطبيعيّ، الصادر عن الإنسان المخلوق، فما ذكاء الآلة إلا بنقل ذكاء العقل البشري لها، لتؤدي ما كان يؤديه الإنسان، ولكن بصورة تبدو أسرع وأكثر تقنية وصوابًا، فالآلة في ذاتها قطعة من الحديد أو المادة، وما طرأ عليها هو توظيف الإنسان لها.
ومن المتوقع في مستقبل الذكاء الاصطناعي أن يتخطى تلك الحدود لكي تصبح الآلة مشبعة بحواس الإنسان: النظر والسمع واللمس والكلام والشم، ولا مانع من تصور عالم مستقبلي مصطنع، يطلق عليه الواقع الاصطناعي، وقد يكون هذا بديلا عن وجود بعض المهن التي يمارسها الإنسان، كالتعليم والصحة والجنود في ميدان المعركة والسائقين للحافلات والطائرات وغير ذلك مما يعطي مقدمة للرفاهية في المستقبل، التي تكون مطردة بمزيد من الاختراعات وتطوير أنظمتها بما يحقق طموح البشر، لكن الإشكال في بعض الأحيان أن يصبح المستقبل بيد الآلة، فتسيطر الآلة على الإنسان، فتتطور ذاتيًّا دون تدخل بشري، فلا يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى البشر، كما جسده العمل السينمائي [وال إي: Wall E] في تخيل صناع الفيلم قصة حب بين كائن بشري وآخر فضائي، وهو تفكير للمواءمة بين النوعين من صناع الحياة، البشر والبشر الصناعي (الريبوت) ، وقد زاد الأمر في تفكير الشركات المنتجة للأفلام بجدية في استحداث ظهور نجوم سينمائيين آليين بديلاً عن الممثلين من البشر.
كل هذا سيتحقق بفعل اللغة الذكية، والذي يمثل قدرة الإنسان على التواصل الفعال مع الآلة، وقد بدأ ذلك من منتصف القرن العشرين، فلقد كانت روايات الخيال العلمي سابقة تلك الاختراعات كما شاهدنا [فيلم 2001: ملحمة الفضاء]، الذي صدر في عام 1968م وقد رآه بعض المتابعين على أنه أكثر الأعمال التي تناولت الذكاء الاصطناعي، في سفر البشر إلى الفضاء، وتناول الذكاء خارج الكرة الأرضية.
وأما فيلم (إي آي: الذكاء الاصطناعي)، من إنتاج عام 2001م، فهو أحد تصورات الفن لمستقبل الآلة الذكية، وهو أحد الأفلام ذات الطابع الخيالي ، فإن الروبوت (ديفيد) الشبيه بالطفل البشري لديه القدرة على الحب، فإنه نشأ في أحضان عائلة بشرية، وتربَّى على يديها، وتقع كارثة جليدية على سطح الكوكب، فيُسْتخرَج الريبوت من الثلج، ويُعدَّل من قبل كائنات فضائية عالية الذكاء تملك تكنولوجيا خيالية.
لقد عزَّزَ الواقع الذكيُّ صحّةَ تلك التنبؤات، خاصة في مجال علم اللغة الحاسوبي، الذي أخذ يتطور حتى ما وصل إليه الآن، بدءًا من تعرف الآلة على الحروف الهجائية كتابة وضبطًا، بحيث تصبح لغة رقمية قابلة للتعديل، مرورًا بظهور القواميس الرقمية بوضع بمفردات أي لغة في قواعد بيانات، ومقابلتها بغيرها من اللغات، فينتج عنه ترجمة عناصر اللغة للغات أخرى؛ فنشأ علم الترجمة الرقمي، مثل ترجمة جوجل وغيره.
ويتسع المجال للذكاء اللغوي فتحدث النهضة في قدرة الآلة على التعرف على الأصوات وتحويلها إلى نصوص مكتوبة، والعكس، بتحويل النصوص إلى أصوات، وهو ما يعرف بالقراءة الإلكترونية، وهو ما يؤدي بالقدرة الفائقة للآلة على البحث السريع والإحصاء للمفردات والتراكيب والتحليل النحوي والصرفي وما إلى ذلك، وهذه التطبيقات بدورها تخدم فئات البشر جميعًا خاصة فاقدي البصر والسمع.
إننا على مشرفة من عصر هيمنة الرقمنة حتى تصبح اليد الإلكترونية ، فتنجز لنا المهام وتنظم الحياة، وعليه يتطلب الأمر دخولها التخصصات العلمية لدينا، وتوظيف علم الحاسبات والذكاء الاصطناعي في مجالاتها، ليكون الجيل القادم من المصريين والعرب بمقدوره أن يساير ذلك التطور عن قرب.
التعليقات متوقفه