“الإسلام السياسي في مواجهة العصر الرقمي: مأزق البقاء أم ضرورة التحوّل؟”

736

كتب : خالد محمود
يعيش العالم الإسلامي تحوّلات جذرية بفعل تطورات العصر الرقمي، وما يحمله من تغيرات اجتماعية وثقافية واقتصادية هائلة. وفي قلب هذا التحول، تقف حركات الإسلام السياسي على مفترق طرق: بين البقاء متمسكة بتراثها التقليدي، وبين ضرورة التكيف مع شروط زمن جديد لا يعترف بالجمود.

هنا تبرز أزمة أعمق من مجرد صراع فكري؛ إنها أزمة وجودية تمس النموذج ذاته الذي قامت عليه هذه الحركات.

أزمة التكيّف لا أزمة الخطاب فقط
ليست أزمة الإسلام السياسي مجرد ضعف في أدوات التعبير، بل هي عجز في البنية الذهنية عن استيعاب التحول. في زمن تُبنى فيه القيم على النقاش المفتوح والمعرفة الرقمية والتجربة الإنسانية المشتركة، ما زالت هذه الحركات تُعيد إنتاج خطابها القديم داخل قوالب جديدة، دون أن تتغير جذريًا. فالفيديوهات الدعوية لا تعني تحديثًا فكريًا، والمنصات الرقمية لا تُخفي فقر المشروع المعرفي.

الانغلاق كاستراتيجية لا كعرض مرضي
من الخطأ الظن بأن تشدد بعض الحركات الإسلامية هو نتيجة جهل أو سذاجة فكرية. الانغلاق هنا مقصود ومنهجي، إذ يُستخدم كسلاح في وجه التفكك، وكوسيلة للحفاظ على القاعدة الجماهيرية.

فحين تشتد الضغوط، تلجأ هذه الحركات إلى إعادة إنتاج “النموذج التاريخي” باعتباره الملاذ الوحيد، وتُقدّمه على أنه “الأصالة” في مقابل “الحداثة الفاسدة”.
لكن الإشكال هنا أن هذا النموذج لم يعد صالحًا للعمل في بيئة معرفية تشكّلية وسائلة، حيث الثبات لا يُنتج شرعية، بل عزلة.

التناقض البنيوي: بين المرجعية والتطور
الإسلام السياسي يقف أمام مفارقة حادة: كيف يحتفظ بمرجعيته التقليدية وفي الوقت ذاته يطالب بالتحول السياسي والاجتماعي؟
إن التناقض لا يكمن في التفاصيل، بل في الجوهر: أي محاولة لتحديث النموذج التقليدي ستؤدي حتماً إلى إعادة التفكير في سلطته الدينية، وهذا ما لا يمكن للقيادات التقليدية احتماله.
ومن هنا، تصبح فكرة “الإصلاح الديني” التي يطرحها البعض خارج هذه الحركات، غير قابلة للتنفيذ من الداخل، لأنها تمس جوهر الشرعية التي بنيت عليها هذه الكيانات.

مأزق المستقبل: التغيير أو الانقراض؟
مع صعود جيل رقمي لا يعترف بالمقدس دون نقد، ولا يقبل التلقين دون تمحيص، تجد هذه الحركات نفسها في مأزق حقيقي: إما أن تتغير وتفقد جزءًا من ذاتها، أو أن تظل ثابتة فتفقد تأثيرها.
المعادلة لا تقبل أنصاف الحلول: إما التجديد العميق الجذري، أو الذبول البطيء في هوامش المشهد.

ان أزمة الإسلام السياسي اليوم يا سادة ليست مجرد خلاف حول النص أو التأويل، بل هي سؤال فلسفي عميق: هل يمكن لفكرة وُلدت في سياق ما قبل الدولة الحديثة أن تتعايش مع منطق ما بعد الحداثة؟
إن لم تملك هذه الحركات الشجاعة لتفكيك بنيتها الفكرية وإعادة بناء مشروع معرفي جديد، فإنها – رغم ضجيجها – ستكون عالقة في متحف التاريخ، يُشار إليها كظاهرة عاشت زمنًا… ثم عبرت.

اقرأ أيضا للكاتب:
التسامح بين الأديان: حقيقة أم وهم؟
حنين الشاعر وشبابه الضائع: تحليل قصيدة ‘يا جارة الوادي
الآبائية والكهنوت في ميزان الفكر الحديث: حوار مع الكاتب المغربي يوسف هريمة
الحرب الدينية: بين التجارة والإنسانية
العقل في مواجهة الدين والفلسفة: استكشاف العلاقة بين الإيمان والمنطق 
الابتكار الأدبي: ليس في الفكرة فقط بل في الأسلوب  

Visited 32 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه