هل يقودنا العالم نحو حرب شاملة؟ الفلسطينيون نموذج لانهيار القيم والإنسانية

272

كتب : خالد محمود

يتساءل كثيرون: هل نحن على أعتاب حرب عالمية جديدة؟ عالم يبدو فيه الجميع ضد الجميع، وتنهار فيه المبادئ التي قامت عليها الحضارة بعد الحرب العالمية الثانية.

ثلاثة أرباع قرن مرّت باسم السلام، رغم ما حملته من صراعات باردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. ومع ذلك، ظلت هناك حدود ما، نوع من التوازن، يمنع الانهيار التام.

اليوم، نشهد واقعًا مختلفًا. عالم يتفكك، يسير نحو كارثة إنسانية بلا ضفاف. حيث تسقط السلطة في قبضة من لا يعرف الرحمة، ويُشرعن العنف كأداة للبقاء. تتحول الهيمنة إلى أداة إذلال، وتُفرض على الشعوب بشعار واحد: “اخضع أو جُوِّع”.

نظرية “السجود”: من الجوع إلى الخضوع

الفلسطينيون، أكثر من غيرهم، يدفعون ثمن هذا التحول. لم يتبق لديهم شيء: لا مدن، لا أمل، لا أمن، لا غذاء. تُفرض عليهم “نظرية السجود”، كما وصفها الواقع لا الكلمات، حيث يصبح الجوع آخر مراحل القهر بعد تدمير الأرض والهوية.

فلا حديث عن حقوق، ولا عن كرامة. فقط عن الموت. وكأن ترامب، ونتنياهو، وبوتين، ومَن على شاكلتهم، يرسمون ملامح عالم تُدار فيه الشعوب بالقبضة الحديدية، وتُخضع فيه الأمم لسطوة السلاح والمال والإعلام.

من أفلاطون إلى هوبز: عندما تنهار الدولة

قبل آلاف السنين، وصف أفلاطون ما بعد الكوارث: “أرض مهجورة، عزلة، ومجتمعات صغيرة تبدأ من الصفر”. أما هوبز، فاعتبر أن غياب الدولة المشتركة يُدخل البشر في “حرب الجميع ضد الجميع”.

لكن الفلسطينيين اليوم لا يريدون السيطرة أو الهيمنة، بل ثلاثة أمور فقط:

أن يعيشوا بسلام في أرضهم.

أن يحصلوا على الغذاء والدواء.

أن تكون لهم دولة تعترف بهم وتمنحهم الكرامة.

إنها أبسط حقوق الحياة، لكنهم يُحرمون منها، لأن العالم لم يعُد يعترف بالقيم بل بالقوة فقط.

 الدولة كما يريدها ترامب: سلطة بلا قانون

النائب الأمريكي جي. دي. فانس عبّر صراحة عن رؤية بلاده الجديدة: “الأمريكيون لا يعيشون للدفاع عن الآخرين، بل لكسب المال”.

أما ترامب، فيحلم بدولة بلا حدود قانونية، تمجد “الحرية المطلقة” في امتلاك كل شيء، حتى على حساب القضاء والمؤسسات.

العدالة؟ لم تعد تُذكر.

الحقوق؟ أصبحت ترفًا شيوعيًا.

الإعلام؟ يُقبل فقط إن خدم الرواية الرسمية.

المعارضة؟ تُقمع بأي وسيلة، ولو بالقبضة الحديدية.

والشعوب؟ يجب أن تخضع أو تُسحق.

نهاية الدولة الكاملة: الديمقراطية في مهب الريح

تتراجع فكرة “الدولة المتوازنة” القائمة على الفصل بين السلطات. ما يُطبق اليوم هو “دولة غير مكتملة”، لا تعترف بسيادة القانون، بل تسير خلف “العنف الشرعي” لمن يمتلك المال والقوة العسكرية.

في هذا المناخ، تُلغى العدالة، تُقزم حرية التعبير، وتُختزل الحياة في صراع من أجل البقاء. السخرية من الشعوب، القادة، والثقافات، تتحول إلى “نهج رسمي” يُروج له باسم “الواقعية السياسية”.

 الديمقراطية… إلى أين؟

ربما كان جان جاك روسو محقًا حين قال:

“كل ما يخرج من يد الخالق مثالي، وكل ما يمر عبر يد الإنسان يتشوه”.

لكنّ ما نراه اليوم ليس مجرد تشويه، بل اغتيال تدريجي للديمقراطية. عالم يُبنى على منطق القوة والهيمنة، لا على العدالة والحق.

في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا:

هل هذا هو المستقبل الذي نريده لأطفالنا؟

أم ما زال هناك وقت لنقول “لا” قبل فوات الأوان؟.

اقرأ للكاتب:
“الإسلام السياسي في مواجهة العصر الرقمي: مأزق البقاء أم ضرورة التحوّل؟”
التسامح بين الأديان: حقيقة أم وهم؟

الحرب الدينية: بين التجارة والإنسانية 

Visited 16 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه