من روما إلى نابليون وبريطانيا: كيف تشكلت قواعد السير حول العالم؟

358

كتبت : سارة غنيم

تبدو طريقة القيادة، سواء على اليمين أو اليسار، مجرد تفصيل بسيط في حياتنا اليومية، لكنها في الواقع انعكاس لقرون من التاريخ العسكري والسياسي والثقافي.

خلف اتجاه حركة المرور اليوم، تختبئ قصص إمبراطوريات قديمة، ومعارك كبرى، وثورات ثقافية، وتراث استعماري لا يزال يؤثر على العالم.

النص الكامل:

منذ العصور الرومانية، كان السير على الجانب الأيسر هو القاعدة في معظم أنحاء أوروبا. اعتمد الرومان هذه الطريقة بدوافع عملية وعسكرية: كان الفرسان يمتطون الخيل من الجهة اليسرى ليسهل عليهم استخدام سيوفهم باليد اليمنى في حال حدوث معارك طارئة، مما جعل التنقل على اليسار أكثر أمانًا ومنطقيًا.

نابليون والثورة على التقاليد:
هذا النظام الراسخ تعرض لهزة كبرى مع صعود نابليون بونابرت، الذي سعى لتغيير كل ما له صلة بالإمبراطورية الرومانية. فرض نابليون حركة السير إلى اليمين في الأراضي التي غزاها، ما أدى إلى انتشار القيادة على اليمين في معظم أنحاء أوروبا القارية، بما في ذلك إيطاليا.

في المقابل، تمسكت بريطانيا العظمى بالقيادة على اليسار، وأصدرت قانونًا رسميًا عام 1835 يؤكد هذا الخيار كرمز للمقاومة الثقافية ضد النفوذ الفرنسي، وهو التقليد الذي ورثته عنها العديد من مستعمراتها فيما بعد.

الإرث الاستعماري وتأثيره العالمي:
خلال العصر الاستعماري، انتقلت هذه العادات إلى الخارج:

  • في المستعمرات البريطانية مثل أستراليا والهند، استمرت القيادة على اليسار.
  • في المستعمرات الفرنسية مثل فيتنام، انتقلت القيادة إلى اليمين.

حتى اليوم، يمكن ملاحظة هذا الإرث في الأنظمة المرورية المتباينة عبر قارات العالم.

الولايات المتحدة: طريق مستقل:
في أميركا، تطورت القصة بشكل مختلف. كانت العربات التي يجرها الخيول تُقاد غالبًا من اليسار لتسهيل استخدام السوط باليد اليمنى، مما استدعى السير على اليمين لتفادي الاصطدامات. ومع ابتكار فورد لسيارة “موديل تي” عام 1908 بعجلة قيادة على اليسار، استقر هذا النظام رسميًا وانتقل لاحقًا إلى دول عديدة أخرى.

اليابان: بين التقاليد والتحديث:
اختارت اليابان بدورها القيادة على اليسار، متأثرة بتقاليد الساموراي الذين كانوا يفضلون المشي يسار الطريق لحماية سيوفهم، وأيضًا نتيجة للتحديث بمساعدة بريطانية في القرن التاسع عشر.

التغيير ممكن ولكنه معقد:
تغيير جهة السير ليس مستحيلاً لكنه تحدٍّ لوجستي هائل. المثال الأبرز هو السويد، التي انتقلت بنجاح من اليسار إلى اليمين في عام 1967 بعملية منظمة شملت البنية التحتية والإعلام والمواطنين.
أما في ساموا، فقد قررت الحكومة في عام 2009 تغيير الاتجاه لتسهيل استيراد السيارات من أستراليا.

قد تبدو مسألة القيادة على اليمين أو اليسار مسألة عابرة، لكنها في الحقيقة مرآة لعصور طويلة من الحروب والسيطرة والاستعمار والثقافة. الطرق التي نسلكها اليوم ما هي إلا امتداد لقرارات اتخذها محاربون، ملوك، ومستعمرون منذ مئات السنين.

Visited 13 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه