ليست فقط خسائر بشرية: النظم البيئية في غزة تنهار تحت القصف
95٪ من الماشية نفقت و93٪ من المياه اختفت: وجه آخر للحرب
غزة – تقرير خاص –
لا تقتصر آثار العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة على الدمار البشري فحسب، بل تمتد لتطال النظام البيئي بأسره، مخلفةً كارثة بيئية غير مسبوقة يُحذر خبراء من أنها قد تستمر لعقود طويلة.
فقد أدى القصف الجوي والمدفعي المتواصل إلى تدمير شبه كامل للمزارع والدفيئات الزراعية، في وقت لم تعد فيه غزة تملك أراضٍ صالحة للزراعة.
وذكرت تقارير ميدانية أن الحقول، لا سيما حقول الفراولة وبساتين الزيتون — التي تُعد عنصرًا أساسيًا في النظام البيئي الفلسطيني — أصبحت ملوثة ببقايا القنابل، ما أدى إلى تدهور التربة وموت النباتات.
المياه والهواء والغذاء: ثلاثي ملوث
استهدفت الغارات محطات تحلية المياه وآبارها، ما تسبب في انخفاض توافر مياه الشرب بنسبة 93٪ مقارنةً بما قبل الحرب، وفقًا لتقارير أممية.
وبينما توصي منظمة الصحة العالمية بتوفير 50 إلى 100 لتر من المياه الصالحة للاستخدام يوميًا لكل شخص، فإن سكان غزة لا يحصلون اليوم سوى على 2 إلى 8 لترات، وهي كمية لا تكفي حتى للحاجات الأساسية.
في الوقت ذاته، أدى تدمير منشآت إدارة النفايات إلى تراكم ملايين الأطنان من القمامة والحطام، بعضها ملوث بالمواد السامة كالأسبيستوس، فضلًا عن الذخائر غير المنفجرة.
ويشير خبراء إلى أن الأبخرة الناتجة عن حرق النفايات تساهم بشكل مباشر في تلوث الهواء وانتشار الأمراض، خصوصًا في ظل عجز بلدية غزة عن التعامل مع هذا التدهور البيئي السريع.
كارثة على الحياة البرية والماشية
تؤكد منظمة الأغذية والزراعة (فاو) أن نحو 95٪ من الماشية في غزة نفقت بسبب ندرة العلف وتدمير المراعي، ما أضاف عبئًا جديدًا على منظومة الأمن الغذائي المتداعية أصلًا.
كما تم القضاء على أجزاء كبيرة من الحياة البرية، ما يهدد بتفكك متسارع في التوازن البيئي في المنطقة.
أضرار مناخية تتجاوز حدود غزة
دراسة دولية حديثة نشرتها شبكة أبحاث العلوم الاجتماعية، أشارت إلى أن الانبعاثات الكربونية الناتجة عن استخدام الأسلحة والعمليات العسكرية خلال أول 15 شهرًا من الحرب بلغت نحو 2 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، أي أكثر من الحصيلة السنوية للانبعاثات في 36 دولة.
وتشمل هذه الانبعاثات أيضًا الوقود الذي يستهلكه سكان غزة لتشغيل المولدات بعد تدمير محطة الطاقة الوحيدة في القطاع.
ووفق الدراسة، فإن تكلفة إعادة الإعمار المناخية — من حيث البصمة الكربونية — قد تصل إلى 32 مليون طن من الكربون، وهو ما يعادل انبعاثات 84 محطة طاقة تعمل بالغاز الطبيعي في عام واحد.
“إبادة بيئية” بلا اعتراف قانوني
رغم أن المحكمة الجنائية الدولية لم تُدرج حتى الآن الجرائم البيئية ضمن اختصاصها الرسمي، إلا أن العديد من الباحثين والمراقبين وصفوا ما يحدث في غزة بـ”الإبادة البيئية”.
إذ إن الدمار الذي طال الأرض والهواء والماء يعيد تشكيل طبيعة القطاع لسنوات قادمة، ويضع الأجيال المقبلة أمام تحديات صحية وبيئية جسيمة.
وفي هذا السياق، دعت منظمات بيئية وحقوقية إلى تحرك دولي عاجل لوقف هذه الكارثة البيئية التي تهدد ليس فقط سكان غزة، بل الاستقرار البيئي في المنطقة بأسرها.
التعليقات متوقفه