أسطول الصمود: من مياه المتوسط إلى شوارع أوروبا – حين يتحول البحر إلى ساحة مواجهة “فيديو”

0 56

كتبت : نجاة أبو قورة 

على بعد أميال من شواطئ غزة، وفي قلب البحر المتوسط، تحولت رحلة إنسانية رمزية إلى مواجهة عسكرية ودبلوماسية غير مسبوقة. أسطول الصمود العالمي، الذي انطلق حاملاً عشرات النشطاء والصحفيين والبرلمانيين الأوروبيين، لم يصل إلى هدفه: كسر الحصار المفروض على غزة منذ أكثر من 17 عاماً.

لكنّ الاعتراض الإسرائيلي لم يوقف الموجة. فبينما أُجبر أكثر من أربعين قارباً على التوقف، انطلقت موجة احتجاجات واسعة في العواصم الأوروبية، خاصةً في إيطاليا، حيث اعتُقل أكثر من عشرين مواطناً. وهكذا، تحوّل البحر إلى شرارةٍ فجّرت الشارع.

القسم الأول: المعركة في البحر

الجيش الإسرائيلي أعلن نجاحه في اعتراض 40 قارباً من أصل 47، فيما أكدت روايات النشطاء أنّ العدد الحقيقي أقل، وأن هناك سفناً لا تزال في طريقها.

بين المعتقلين شخصيات بارزة: الناشطة البيئية السويدية غريتا ثونبرغ، عمدة برشلونة السابقة آدا كولاو، وعدد من أعضاء البرلمان الأوروبي، إضافة إلى صحفيين من إيطاليا وإسبانيا وماليزيا.

وزارة الخارجية الإسرائيلية أكدت أن “الركاب بخير” وأنهم سيُعادون إلى أوروبا. لكن التحالف المنظم للأسطول تحدث عن “قرصنة في المياه الدولية” و”انتهاك للقانون الدولي”.

وفيما أُبعدت غالبية السفن، بقيت خمس سفن على الأقل تواصل الإبحار، بينها السيدة الجميلة ومارينيت. مصادر التحالف تحدثت عن 11 قارباً إضافياً في طريقها للانضمام.

القسم الثاني: غزة – الهدف الغائب الحاضر

في غزة، جاء الاعتراض بمثابة “صدمة متوقعة”.

حماس وصفت العملية بأنها “إرهاب بحري”.

تركيا أدانت التدخل وفتحت تحقيقاً حول مصير مواطنيها المعتقلين.

إيران دعت المجتمع الدولي إلى التحرك واعتبرت الخطوة “إرهابية”.

لكن في الواقع، لم يصل إلى القطاع أي من القوارب. وهكذا، بقيت غزة الغائب الأكبر عن الحدث، رغم أنها الهدف الذي تحرك لأجله النشطاء.

القسم الثالث: أوروبا منقسمة

أوروبا لم تتحدث بصوت واحد:

إسبانيا استدعت القائم بالأعمال الإسرائيلي، وأكد رئيس وزرائها بيدرو سانشيز أن بلاده “متضامنة مع النشطاء”.

أيرلندا والنرويج اعتبرتا اعتراض السفن “غير قانوني” لوقوعه في المياه الدولية.

بريطانيا عبرت عن “قلق بالغ”.

ماليزيا دانت “الترهيب”، مؤكدة أن 12 من مواطنيها كانوا ضمن القوارب.

هكذا بدا الانقسام الأوروبي واضحاً بين دول تطالب بإدانة إسرائيل وأخرى تكتفي ببيانات قلق.

القسم الرابع: إيطاليا – الساحة الأكثر سخونة

رئيسية وزراء إيطاليا ميلوني مع وزير الخارجية أنطونيو تاجاني

إيطاليا وجدت نفسها في قلب العاصفة.

وزير الخارجية أنطونيو تاجاني أعلن أن بين المعتقلين 22 إلى 30 إيطالياً، يجري التفاوض على إعادتهم.

الحكومة الإيطالية تبنّت خطاباً براغماتياً: رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني وصفت الأسطول بأنه “إزعاج بلا فوائد للفلسطينيين”، فيما أكد تاجاني متابعة عودة الإيطاليين سريعاً.

في المقابل، المعارضة (الحزب الديمقراطي، حركة 5 نجوم، تحالف الخضر-اليسار) وصفت الاعتراض بـ”الاعتداء الخطير” ودعت الحكومة إلى موقف حازم.

الإعلام الإيطالي انقسم بدوره: صحف اليمين ركزت على “المخاطرة غير المجدية”، بينما اعتبرت صحف اليسار أن الأسطول “كشف الوجه الحقيقي للحصار”.

القسم الخامس: الشارع الإيطالي يغلي

مسيرة مؤيدة لفلسطين في تورينو تسلط الضوء على سياسات التسلح الإيطالية

إذا كان البحر مسرح الاعتراض، فإن شوارع إيطاليا تحولت إلى الموجة الثانية من المواجهة:

احتجاجات طلابية واسعة من روما إلى ميلانو وبولونيا ونابولي. الجامعات والمدارس شهدت اعتصامات واحتلالات رمزية.

النقابات دخلت على الخط: اتحاد USB دعا إلى إضراب عام يوم 3 أكتوبر، ولحق به اتحاد CGIL.

اعتصامات المستشفيات: حملة “100 مستشفى لغزة – أضواء على فلسطين” شهدت توقفات رمزية للأطباء والممرضين.

اشتباكات في بولونيا وباليرمو بين المتظاهرين والشرطة، وسُجلت إصابات طفيفة.

إيطاليا، التي كانت مجرد ساحة تضامن، باتت فجأة بؤرة الغضب الأوروبي.

القسم السادس: بين القانون والسياسة

أسطول غزة الإنساني وإيطاليا

تقول إسرائيل إن اعتراض الأسطول “قانوني” لأنه يحمي حصاراً بحرياً “شرعياً” أقرّته الأمم المتحدة.

لكن خبراء القانون الدولي يردون: “في المياه الدولية، أي تدخل من هذا النوع يُعتبر قرصنة”.

بين القراءتين، تبقى السياسة هي الحَكَم: أوروبا منقسمة، وإيطاليا مشتعلة، وإسرائيل ماضية في حصارها.

خاتمة

لم تصل قوارب “أسطول الصمود” إلى غزة، لكنّها وصلت إلى هدف آخر: تحريك المياه الراكدة في أوروبا.

بينما لا تزال بعض السفن في عرض البحر، تتصاعد في العواصم الأوروبية – خاصةً في إيطاليا – موجة احتجاجات قد تضع الحكومات في مواجهة شعوبها.

ويبقى السؤال مفتوحاً:

هل سيغيّر الأسطول شيئاً في معادلة الحصار على غزة؟

أم أنه مجرد فصل جديد في قصة طويلة من البحر إلى الشارع، ومن غزة إلى قلب أوروبا؟.
اقرأ أيضا:
المخرج والكاتب اليهودي الإيطالي: إسرائيل تُعيد إنتاج العقلية النازية في غزة
إسرائيل تصف المتطوعين الإيطاليين بالإرهابيين… والمعارضة تطالب برد دبلوماسي حازم

 

Visited 7 times, 7 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق