تحول استراتيجي حاد: كيف انتقلت واشنطن من الاحتواء إلى الاستعداد لصدام مباشر مع الصين؟

0 55

كتبت : د/ سارة غنيم 

لم يعد هناك كثير من الغموض بشأن التحول العميق الذي طرأ على السياسة الأمريكية تجاه جمهورية الصين الشعبية. فقد انتقلت واشنطن، خلال العامين الماضيين، من اعتبار بكين منافسًا اقتصاديًا وتكنولوجيًا، إلى التعامل معها كخصم استراتيجي مباشر.

ويظهر هذا التحول بوضوح في وثائق رسمية، أبرزها تقرير الاستخبارات الأمريكية الصادر في مارس 2025، والذي وصف الصين بأنها “التهديد العسكري الأكثر اكتمالًا وقوة للأمن القومي الأمريكي”.

تحول لغوي يسبق تحوّلًا استراتيجيًا

في فبراير الماضي، أزالت وزارة الخارجية الأمريكية عبارة “نحن لا ندعم استقلال تايوان” من صفحتها الخاصة بالعلاقات مع تايبيه.

ورغم أن واشنطن وصفت الخطوة بـ”التحديث الروتيني”، أثارت التعديل ردود فعل غاضبة في بكين، التي اعتبرت التغيير مؤشرًا إضافيًا على تراجع التزام الولايات المتحدة بسياسة “الصين الواحدة”.

وبرغم تطمينات واشنطن، إلا أن السلوك الأمريكي يعكس مخاوف متزايدة من فقدان قدرتها على ردع الصين عن خيار القوة ضد تايوان.

تايوان… محور التوتر المتصاعد

تتزايد القناعة داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية بأن الصراع مع الصين لم يعد سؤالًا حول “إن كان سيحدث”، بل “متى سيحدث”. وترى تقديرات البنتاغون أن نافذة الاستعداد قصيرة للغاية، ولا تتجاوز عامين.

وفي المقابل، يواصل الجيش الصيني تعزيز وجوده العسكري في منطقة الدفاع الجوي التايوانية، ويجري تدريبات تحاكي عمليات إنزال على الجزيرة، ما يزيد المخاوف من لجوء بكين إلى توحيد تايوان بالقوة.

ويعزز هذه المخاوف تصريحات مسؤولين عسكريين صينيين متشددين. ففي عام 2018، قال نائب الأدميرال لوو يوان إن “الولايات المتحدة تخاف الموت”، في إشارة إلى ضعف إرادة القتال لدى المجتمع الأمريكي.

وفي العام نفسه، دعا العقيد داي شو إلى افتعال “حادث محسوب” مع البحرية الأمريكية في بحر الصين الجنوبي لإشعال صراع يسرّع إعادة التوحيد.

إعادة تسليح أمريكية… وتمويلها التعريفات

تستعد واشنطن لمرحلة ما قبل الصراع عبر مسارين متوازيين:

1. الانفصال الاقتصادي التدريجي عن الصين

فرضت إدارة ترامب في السابق رسومًا جمركية واسعة على السلع المستوردة. وكان يُنظر إلى هذه السياسة على أنها محاولة لإحياء الصناعة المحلية، إلا أن تقييمات جديدة تشير إلى أنها كانت وسيلة لتوفير إيرادات ضخمة لدعم إعادة بناء القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية.

الصين تبني أكبر مركز قيادة عسكري في العالم يفوق البنتاغون بعشر مرات 

2. إصلاح جذري في منظومة المشتريات العسكرية

أطلقت وزارة الدفاع الأمريكية حديثًا نظامًا جديدًا يُعرف بـ”نظام اقتناء الحرب”، وهو إصلاح يهدف إلى تسريع إنتاج الأسلحة وتقليل الإجراءات البيروقراطية.

ويعتمد النظام الجديد على:

تسريع نقل التمويل إلى البرامج الأكثر أهمية عسكريًا.

تقليل الوقت اللازم لتحديد المتطلبات العسكرية عبر التركيز على الاحتياجات التشغيلية بدلًا من التعقيد التقني.

تبسيط التعاون الدولي بحيث تتمكن واشنطن من دعم الحلفاء بشكل أسرع وأكثر فاعلية.

تعزيز الإنتاج الحربي وتقليل الاعتماد على المواد الحيوية القادمة من دول منافسة.

ووفقًا لوزير الدفاع الأمريكي، فإن “سرعة نشر القدرات الجديدة ستحدد البقاء الاستراتيجي للولايات المتحدة”.

استراتيجية الانفصال المؤجل

تعرف واشنطن أنها غير مستعدة بعد لخوض حرب مفتوحة مع الصين. ولذلك تعتمد على استراتيجية مزدوجة:

احتواء الصين دون الدخول في مواجهة مباشرة الآن.

تجنب الانحياز العلني في الأزمات الإقليمية، مثل التوتر الأخير بين الصين واليابان.

تسريع إعادة تشكيل النظام الدفاعي الأمريكي حتى تصبح البلاد قادرة على خوض صراع واسع النطاق عند الضرورة.

لكن في الوقت نفسه، تعلم الصين أن الولايات المتحدة في مرحلة إعادة استعداد، ولا توجد ضمانات بأنها ستنتظر حتى يكتمل هذا الاستعداد.

اقرأ أيضا:
الصين واليابان… تصاعد التوتر بسبب تايوان وبكين تحذّر: “التدخل سيقابل بهزيمة ثقيلة”
جيش عالمي المستوى: رؤية الصين للتفوق العسكري على واشنطن

Visited 4 times, 4 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق