ترامب يستعد لـ«الانتقام» من ممداني: هل يقدر على معاقبة نيويورك؟
كتبت : بريجيت محمد
قبل ساعات من التصويت في نيويورك، تصاعد التوتر بين البيت الأبيض وعمدة المدينة المنتخب زهران ممداني، إذ لمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إمكانية «إعادة تقييم» الأموال الفيدرالية المخصصة للمدينة، متهماً إياها بـ«الهدر المالي» و«العداء السياسي».
لكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه: هل يستطيع ترامب فعلاً معاقبة نيويورك ماليًا؟
الإجابة، كما توضحها القوانين الأمريكية وسوابق القضاء، تشير إلى أن سلطات الرئيس في هذا المجال محدودة للغاية، مهما بلغت حدة الخطاب السياسي.
سوابق قانونية تكشف الحدود
محاولة استخدام التمويل الفيدرالي كورقة ضغط سياسية ليست جديدة. فخلال رئاسته الأولى، سعى ترامب لتقليص التمويل الموجه إلى المدن التي صنفها بأنها «ملاذات» للمهاجرين، مثل نيويورك.
وفي عامي 2020 و2021، علّقت إدارته نحو 12 مليون دولار من مخصصات هيئة النقل الحضرية (MTA).
إلا أن محكمة فيدرالية ألغت القرار، واعتبرته «تعسفياً وانتهاكاً للقانون»، مؤكدة أن الحكومة لا يمكنها حرمان المدن من أموال أقرها الكونغرس لأسباب سياسية بحتة.
تلك السابقة القانونية تقيّد اليوم أي محاولة مماثلة.
الإطار الدستوري وحدود السلطة التنفيذية
ينص الدستور الأمريكي على أن الكونغرس هو الجهة الوحيدة المخولة بتفويض الإنفاق العام وتنظيمه، بينما يقتصر دور الرئيس على تنفيذ تلك القوانين.
ولا يملك الرئيس صلاحية حجب أو تحويل الأموال المخصصة بالفعل من دون تفويض تشريعي واضح.
ويرتكز هذا القيد على مبدأين أساسيين في القانون الدستوري الأمريكي:
الفصل بين السلطات – فلا يجوز للرئيس تجاوز صلاحيات الكونغرس.
الفيدرالية – لا يمكن للحكومة الفيدرالية إجبار الولايات أو المدن على اتباع سياساتها عبر التهديد المالي.
ومع ذلك، يستطيع البيت الأبيض تأجيل أو مراجعة بعض البرامج في مجالات النقل أو الأمن، ضمن حدود السلطة التنفيذية، لكن أي قرار عقابي أو مسيّس يُعرض الإدارة لدعاوى قضائية فورية.
«قضية ممداني»: السياسة مقابل القانون
تجميد التمويل الفيدرالي لنيويورك لمجرد انتخاب ممداني – المعارض الشديد لترامب – سيكون من الصعب تبريره قانونيًا.
فالقوانين الأمريكية لا تسمح بحرمان المدن من الأموال بسبب اختلافات سياسية، بل فقط في حالات الإخفاق الإداري أو المخالفات القانونية.
لكن رغم القيود القانونية، يبقى التهديد السياسي فعالاً: فمجرد الحديث عن «إعادة تقييم التمويل» يخلق حالة من الضغط وعدم اليقين، ويحوّل النقاش الوطني إلى سؤال الولاء للحكومة الفيدرالية.
ومع ذلك، تتمتع نيويورك باستقلال مالي قوي، إذ تأتي ثلثا إيراداتها من مصادر محلية كضرائب الأملاك والدخل والمبيعات، إضافة إلى عائدات السياحة والخدمات.
كما تمتلك سلطة إصدار السندات البلدية لتمويل مشروعاتها الكبرى، ما يجعلها أقل اعتماداً على التمويل الفيدرالي.
من هو زهران ممداني؟
ولد زهران ممداني عام 1990 في كمبالا بأوغندا، ونشأ بين هناك وجنوب أفريقيا، قبل أن ينتقل إلى نيويورك في السابعة من عمره.
هو نجل المخرجة الشهيرة ميرا نير (صاحبة فيلم Monsoon Wedding)، والأكاديمي المعروف محمود ممداني، أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة كولومبيا.
تلقى تعليمه في المدارس العامة ثم في Bronx High School of Science، وحصل على شهادة في الدراسات الأفريقية من Bowdoin College، حيث أسس أول فرع طلابي لحركة طلاب من أجل العدالة في فلسطين.
نال الجنسية الأمريكية عام 2018، وعمل مستشاراً لمساعدة أصحاب الدخل المنخفض على تفادي حجز منازلهم، وهي التجربة التي قادته إلى العمل العام. وفي عام 2025، انتُخب عمدةً لمدينة نيويورك، ليصبح أصغر من يتولى المنصب منذ قرن، متفوقاً على حاكم الولاية السابق أندرو كومو والجمهوري كورتيس سليوا.
تزوج ممداني هذا العام من الفنانة السورية الأمريكية راما دواجي، ويُعرف بخطابه التقدمي الداعم للعدالة الاجتماعية وحقوق المهاجرين.
تهديدات ترامب
تهديد ترامب بقطع التمويل عن نيويورك قد يكون رسالة سياسية أكثر منه إجراءً قانونيًا قابلاً للتنفيذ. فبينما تملك الإدارة أدوات للمراجعة والتأخير، يبقى الدستور الأمريكي حاجزاً أمام استخدام المال العام كوسيلة للانتقام السياسي.
وفي المقابل، تبدو نيويورك بقيادة ممداني مستعدة لخوض فصل جديد من المواجهة بين المدينة «المتمردة» والرئيس الذي يسعى إلى استعادة نفوذه.