التجربة الصينية والتجربة المصرية.. نجاحٌ لم يتحقق وفشلٌ مؤكد

0 61

بقلم : أحمد لطفي

في تصريح قبل أيام كرر الدكتور مصطفى مدبولي ما سبق أن  قاله وآخرون من المسؤولين في الدولة في مناسبات مختلفة من قبل، عن أن الزيادة تُعتبر سببًا مهمًا من أسباب الأزمة الاقتصادية، وقال نصًا: “يمكنكم أن تتخيلوا أن دولة يزداد عدد سكانها كل عام تقريبًا بمعدل 2 مليون شخص، هذا يتطلب أن نخلق كل عام حوالي مليون وظيفة”.

وبصرف النظر عن أن المؤشرات والإحصاءات الرسيمة التي أكّدت تراجع نسبة النمو السكاني في السنوات الأخيرة من 2.6% في عام 2017 إلى 1.4% في عام 2023 لعدة أسباب أهمها الصعوبات الاقتصادية التي تواجه الأسُر المصرية، فإن تراجع معدلات النمو السكاني في مصر لا يُعالج المخاوف المُتعلقة بالأزمات المعيشية والأعباء الاقتصادية والاجتماعية، التي تشكِّلها الزيادة السكانية بحسب آراء خبراء نُتخصصين.

مسؤولون كُثر أشادوا بالتجرِبة الصينية “الرائدة” في مجال تحديد المواليد وهو ما تراجعت عنه الصين في السنوات الثلاث الأخيرة، فإن ما يغيب عن ذهن المسؤولين أن مسألة تحديد عدد الأطفال لكل أسرة ليست أبدًا بهذه السهولة، بل تحتاج تخطيطًا دقيقًا ومبنيًا على رؤية شاملة وواضحة ومدروسة بعناية  يعني خطوة ضمن خطوات أخرى ضرورية ولازمة تبدأ بتوفير الغذاء والتعليم المُتميز والخدمات الصحية ولا تنتهي بمشروعاتٍ حقيقية ومُنتجة تعود بالفائدة على المجتمع وبالتنمية الحقيقية على الدولة.. وخلي بالك من ‘الحقيقية” دي علشان مهمة قوي.. يعني ليست مجرد مُبادرة لتوزيع الفقر بعدالة، ولا “مكرمة” بقرضٍ من هنا أو من هناك ندفعه نحن من اللحم الحي.

قراءة ودراسة تجربة الصين جيدًا تطرح سؤالًأ مُهمًا: ماذا قدمت لمواطنيها من مُميزاتٍ ومنح لتحديد مرات الإنجاب قبل أن تتراجع فيه مؤخرًا بعد أن حقق الهدف منه.

طيب، تعال نتعرف على التجربة الصينية، ماذا اثمرت وفيم نجحت ولماذا تراجعت عنها الحكومة الصينية مُؤخرًا.

“من أجل دولة مزدهرة وقوية وأسرة سعيدة، نرجو تطبيق قانون تنظيم الأسرة في جمهورية الصين الشعبية”.

كانت تلك العبارة تمثل شعار الحياة الاجتماعية في الصين، على مدار عقود، فكانت الكلمات الموجهة للمواطنين محفورة على لافتاتٍ حكومية في أكبر المدن الصينية، بل مدعومة بعدد كبير من القرارات الحكومية الإلزامية لسياسة الطفل الواحد، التي طُبقت لما يقارب الأربعة عقود.

فقد ألزمت الصين مواطنيها بتحديد عدد الأطفال، ورغم ما رافق هذه السياسة من تطبيقٍ صارم في بدايتها، إلا أن الحكومة الصينية تساهلت في تطبيقه مع مرور السنوات، بسبب ما تعرضت له من انتقاداتٍ شديدة لهذه السياسة في عدد من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والصحية.

طيب، تعال نستعرض كيف سارت سياسة قانون تنظيم الأسرة في جمهورية الصين؟

سياسة الطفل الواحد.

بدأت الصين، الدولة الأكثر تعدادًا للسكان في العالم، خطتها لمواجهة الكثافة السكانية في عام 1978، فشجعت سياسة الحكومة كافة الأزواج على إنجاب طفلٍ واحد فقط، وطبقت قانون “سياسة الطفل الواحد” المثير للجدل، والذي تلخص في منع إنجاب أكثر من طفل لكل عائلة في المناطق الحضرية.

وبحلول عام 1982، أصبح “تخطيط العائلة” سياسة رئيسة في الصين للحدِ المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية أيضًا، فمرّت السياسة بمراحل من التطبيق الصارم كان منها غراماتٍ قلسية على كل من يخالف القانون تُحدد بحسب الوضع الاقتصادي للأسرة، إذ وصلت الغرامة لإحدى الأسر الصينية الغنية إلى ملايين الدولارات!

ولكن، تلك السياسة أثارت الكثير من الجدل بسبب الطريقة التي نُفِذت بها وكذلك بسبب المخاوف من العواقب الاجتماعية السلبية، فقد تسببت في زيادة في حالات الإجهاض القسري، ووأد البنات، وتقليل الإبلاغ عن المواليد الإناث، علاوة على اختلال التوازن بين الجنسين بصزرة كبيرة.

استثناءات لفئات بسيطة

وبحلول الألفية الثانية، أكدت السلطات الصينية أن هذه السياسة منعت أكثر من أربعمِئة مليون ولادة منذ تطبيقها، وهو ما جعل السلطات تتجه إلى إلسماح باستثناءات لبعض الحالات، كالمواطنين الذين يعملون في المناطق الريفية والقطاع الزراعي وكذلك الأقليات العرقية، وكذلك في المناطق ذاتية الحكم مثل هونج كونج والتي لجأت إليها أعداد كبيرة من الأسر الصينية من أجل الإنجاب.

وفي عام 2000، سمحت الصين للزوجين بإنجاب طفلٍ ثانٍ إذا كان كلاهما وحيد أبويه، ثم بحلول عام 2013، أقرت قانونًا آخر يسمح بإنجاب طفلٍ ثانٍ إذا كان أحد الزوجين الابن الوحيد في أسرته.

سياسة الطفلين الحازمة

وبعد سبعة وثلاثين عامًا، وبحلول عام 2015، أُلغيت سياسة الطفل الواحد بشكلٍ نهائي في الصين، حيث أصدرت الحكومة الصينية قرارًا يسمح لكل أسرة بإنجاب طفلين كحدٍ أقصى من غير شروط بدلًا من سياسة الطفل الواحد، بعد أن وجدت أن هذه السياسة تسييت في زيادة أعداد كبار السن وتقلُص الطاقات الشبابية.

ورغم أن الصين استطاعت من خلال سياسة الطفل الواحد أن تُغير التركيب السكاني ” الديموجرافي”، إلا أنها تركت تأثيراتٍ ملحوظة في عددٍ من الجوانب الاجتماعية، فعندما أعلنت الصين رسميًا، في نهاية عام 2015، إيقاف سياسة الطفل الواحد، وجدت أن عدد المواليد لم يزِد كما كان مُتوقعًا ومرجوًا، فضلًا على أن أُسرًا كثيرة كانت قد فضلت الاكتفاء بطفلٍ واحد، لذلك لم يرتفع معدل تزايد المواليد إلا بنسبٍ بسيطة وسط تزايد نسبة كبار السن وهو ما شكّل عبئًا إضافيًا على نظام الضمان الاجتماعيّ وخدمات الرعاية الصحّيّة.

سياسة الأطفال الثلاثة

وبعد أقل من ست سنوات، جاءت الخطوة الثانية للحكومة الصينية بزيادة الحد الأقصى للإنجاب ليصبح ثلاثة أطفال بعد أن كان طفلين لكل أسرة، لرفع معدل المواليد المُنخفض وعلاج اختلال التوازن بين الجنسين والذي لا يزال يمثّل مشكلة اجتماعيّة معقّدة تواصل الصين معالجتها حاليًا.

فلجأت الجكومة الصينية إلى دعم الأُسر بالموارد اللازمة لتربية الأطفال، وتقديم عددٍ من الميزات المُحفزة، كإجازة الأبوّة الممتدّة، وزيادة وحدات رعاية الأطفال، والحوافز الماليّة لتشجيع الأزواج على إنجاب المزيد من الأطفال، ومع ذلك، سوف يستغرق الأمر وقتًا لفهم الآثار طويلة المدى لهذه الإصلاحات بشكلٍ كامل، كما تقول الحكومة الصينية نفسها.

في الوقت الحالي، تُطالب الحكومة الصينية الصينيين ببذل جهدٍ أكبر وتطبيق سياسة الطفل الثالث وفقًا للقانون، والذي من شأنه تحسين التركيب السكاني _الديموجرافي) في الصين، والمساعدة في علاج  مشكلة “شيخوخة السكان” على نحوٍ فعال، ووالحفاظ على مزايا الموارد البشرية في البلاد.

ووفقًا لصحيفة “الجارديان” البريطانية، فقد جاءت خطوة سياسة الطفل الثالث بعدما أظهر إحصاءٌ يُجرى كل عشرة أعوام أن النمو السكاني في الصين سجل أدنى مستوياته، الأمر الذي ضغط على الحكومة حتى تضع بدورها تدابير من شأنها تشجيع الأزواج على إنجاب المزيد من الأطفال، في محاولة لتجنّب تراجع عدد الشباب.

والخلاصة أن الصين تراجعت عن سياسات “تقييد الإنجاب” بمراحلها المختلفة، ليس لأنها حققت الأهداف المرجوة منها، ولكن لأنها أضرّت بأكثر مما أفادت، وكانت تأثيراتها السلبية على المجتمع وعلى نسب النمو الاقتصادي، وزيادة أعباء الرعاية الصحية والاجتماعية لكبار السن أكبر بكثير من جوانبها الإيجابية على عكس ما حاول الرئيس أن يوحي به أو قُل يُمهد له في كلمته اليوم التي كعادته لم تخلُ من عباراتٍ خشنة تحمل توبيخًا للناس على ما يرتكبونه في حق البلد.. فتأمل!

اقرأ أيضا:
……………….. هوَ صحيح الهوى غلَّاب …………………    

الصين كما لم أرها من قبل: رحلة إلى سبلينديد تشاينا “صور وفيديو” 

 

Visited 16 times, 16 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق