كتب:أندريا جاسباردو
يشبّه خبراء الهجرة اليوم الاتجار بالمهاجرين بما كان يُعرف في الماضي بـ”تجارة الرقيق الأفريقية” خلال الحقبة الاستعمارية، مع اختلاف السياقات والأدوات.
ففي قمة هذا الاستغلال تقف شبكات إجرامية عابرة للحدود، تستفيد من هشاشة الدول الأفريقية لبناء إمبراطوريات قائمة على معاناة البشر.
وتبرز ليبيا، بضعفها السياسي وتشرذمها الأمني، كأكثر الدول المرشحة للتحول إلى مركز رئيسي لهذا النشاط.
أبعاد ديموغرافية مقلقة
تشير بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والمنظمة الدولية للهجرة إلى أن ما يقارب 440 ألف أفريقي يغادرون القارة سنوياً منذ عام 1965، أي نحو 0.05% من السكان.
وفي المقابل، شهدت القارة في عام 2005 وحده حركة داخلية ضخمة بلغت 17 مليون شخص، وهو ما ساهم في تنمية اقتصادية لكنه غذّى أيضاً التوترات الاجتماعية.
أما في أوروبا، فقد ارتفعت طلبات اللجوء الأفريقية من 58 ألفاً عام 2010 إلى 168 ألفاً عام 2017، وفق مركز “بيو” للأبحاث. ويُضاف إلى ذلك وجود ما يقارب مليوني مهاجر غير شرعي عالقين بين المغرب العربي وليبيا، يحاول 10–15% منهم فقط عبور المتوسط عبر “قوارب الموت” مقابل مبالغ تتراوح بين 4 و6 آلاف دولار للفرد.
طرق التهريب: من الصحراء إلى البحر
الطرق الصحراوية: أبرزها خط النيجر – سبها – طرابلس في ليبيا، وخط أغاديس – مالي – الجزائر – المغرب باتجاه سبتة ومليلية.
الطرق الأطلسية: عبر جزر الكناري والرأس الأخضر إلى إسبانيا، حيث سجلت مدريد عام 2024 أكثر من 10,500 وفاة لمهاجرين حاولوا هذا المسار.
الطرق المتوسطية: من ليبيا وتونس والجزائر نحو إيطاليا ومالطا وإسبانيا واليونان، متقاطعة مع “طريق البلقان” الذي يشمل مهاجري الشرق الأوسط وآسيا.
المافيا وأمراء الحرب: اقتصاد موازٍ قائم على البشر
تتقاطع مصالح المافيا، المتاجرين، وأمراء الحرب في هذه التجارة. يبدأ الاستغلال من دول المنشأ وينتهي في أوروبا، حيث يقع المهاجرون في فخ العبودية الحديثة بسبب الديون أو الانخراط في شبكات الدعارة، خصوصاً بالنسبة للنساء اللواتي وقعن تحت قبضة المافيا النيجيرية.
وفي منطقة الساحل، انخرطت بعض جماعات الطوارق، التي كانت تاريخياً تجاراً للذهب والملح، في شبكات التهريب بالتوازي مع تعاونها مع تنظيمات جهادية مثل القاعدة وداعش.
كما ظهرت مشاركة قوية للجريمة المنظمة الأوروبية، بما في ذلك المافيا الإيطالية والكورسيكية وعصابات البلقان.
ليبيا: بؤرة الاتجار المحمية بالسياسة
في ليبيا، تتحكم ميليشيات قوية في حركة المهاجرين، أبرزها ميليشيا الرداع التي يقودها أسامة المصري نجيم في طرابلس، حيث تمارس نفوذاً ابتزازياً كبيراً.
كما وُجهت اتهامات من الأمم المتحدة إلى محمد الخوجة، رئيس إدارة مكافحة الهجرة، بالتورط في هذه التجارة، بينما يُتهم وزير الداخلية عماد مصطفى الطرابلسي بغض الطرف عنها.
هؤلاء الثلاثة يمثلون أعمدة حكومة عبد الحميد الدبيبة المعترف بها دولياً، الأمر الذي يوفر غطاءً سياسياً يسمح باستمرار هذه التجارة دون رادع حقيقي.
تجارة لا تعرف حدوداً
الاتجار بالمهاجرين لم يعد ظاهرة إنسانية فقط، بل تحول إلى اقتصاد موازٍ تقوده شبكات معقدة من المافيا والميليشيات والتنظيمات المتطرفة. وبينما تستفيد هذه الشبكات من الفوضى السياسية في دول العبور، يدفع الآلاف من المهاجرين حياتهم ثمناً لأحلام لم تتحقق بعد.
ترجمة سارة غنيم من صحيفة
Ciaopeople