الرقص ليس فجورًا.. الفجور الحقيقي في خطاب الوصاية
بلاغات الفسق والفجور: تجارة بالدين والأخلاق
الناقد خالد محمود
بعد افتتاح أكاديمية للرقص، فوجئنا ببلاغ من أحد المحامين يتهم الراقصة دينا بنشر الفسق والفجور. هذا المشهد يتكرر كثيرًا في مجتمعنا: أشخاص ينصّبون أنفسهم أوصياء على الأخلاق، بينما لا يدركون حتى المعنى الحقيقي لما يردّدونه من ألفاظ. فالفسق والفجور في القانون والدين لهما دلالات واضحة ترتبط بالاعتداء على الحقوق والحريات وانتهاك القيم الإنسانية، وليس بتأسيس مكان يُدرّس فيه الرقص الشرقي كفن له تاريخه وحضوره.
المشكلة ليست في الرقص ولا في دينا، بل في هذا الخطاب المزدوج الذي يجعل من الفن هدفًا سهلاً للهجوم كلما أراد أحدهم الشهرة. هؤلاء يغفلون أن الغناء والموسيقى والرقص كانت جزءًا أصيلًا من قصور الخلفاء والسلاطين في التاريخ الإسلامي، ولم تُعتبر رجسًا أو فجورًا بل فنونًا للتعبير عن الفرح والاحتفاء بالإنسان.
إن ما يحدث اليوم يكشف تناقضًا اجتماعيًا عميقًا: في العلن، يهاجَم الفن بوصفه “حرامًا”، بينما في الخفاء يُستهلك بشغف. إنها الازدواجية التي وصفها نزار قباني حين قال:
«في ساعات يقظتهم يسبّون الضفائر والتنانيرا،
وحين الليل يطويهم يضمون التصاويرا…»
الرقص ليس فجورًا، بل ممارسة فنية وثقافية. الفجور الحقيقي هو المتاجرة بالدين والأخلاق لتصفية الحسابات الشخصية أو جني الأضواء الإعلامية.
والمجتمع لا يحتاج إلى مزيد من محاكم التفتيش على الفنون، بل يحتاج إلى شجاعة الاعتراف بأن الفن جزء من هويته وتاريخه، وأن الحرية هي الحصن الحقيقي للأخلاق لا البلاغات الكيدية.