تحقيق صحفي | لغز اختفاء ثلاثة أمراء سعوديين انتقدوا الملكية
خلال السنوات الماضية، سلطت وسائل الإعلام الدولية الضوء مرارًا على قضايا اختفاء أو هروب شخصيات من العائلات الحاكمة العربية، غالبًا على خلفية صدامات مع السلطة أو محاولات للتمرد على القيود المفروضة داخل القصور.
ورغم أن هذه القضايا ارتبطت في أذهان كثيرين بأميرات مثل لطيفة وشمسة بنتي محمد بن راشد، أو بهروب الأميرة هيا إلى بريطانيا عام 2019، فإن المعارضة داخل البلاطات العربية لم تكن حكرًا على النساء فقط.
وفي هذا السياق، أعادت صحيفة “الجورنالي” الإيطالية فتح ملف بالغ الحساسية، يتعلق باختفاء ثلاثة أمراء من العائلة المالكة السعودية، في وقائع غامضة ارتبطت جميعها بانتقادات علنية وجهوها للنظام الملكي وسياساته.
الأمير سلطان بن تركي… من جنيف إلى الاختفاء
تعود أولى القضايا إلى 12 يونيو 2003، حين كان الأمير سلطان بن تركي بن عبد العزيز آل سعود يقيم في جنيف للعلاج.
ووفق ما أوردته الجورنالي، تلقى الأمير دعوة غداء من الأمير عبد العزيز بن فهد، نجل الملك الراحل فهد، داخل قصر مملوك للعائلة خارج المدينة.
وخلال اللقاء، طُلب من سلطان العودة إلى الرياض على خلفية خلاف مع القيادة السعودية، إلا أنه رفض. وبعد مغادرة مضيفه بحجة إجراء مكالمة هاتفية، تُرك الأمير وحيدًا قبل أن يقتحم المكان، بحسب روايته، عدد من الرجال الملثمين، قاموا بتقييده وحقنه بمادة أفقدته الوعي.
لاحقًا، أكد الأمير أمام القضاء السويسري أنه نُقل قسرًا إلى مطار جنيف، ثم أُعيد جوًا إلى الرياض على متن طائرة إخلاء طبي، في حادثة قالت صحيفة الغارديان إنها ربما تمت باستخدام طائرة بوينغ 747.
وأشار سلطان إلى أنه عانى من مضاعفات صحية خطيرة ودائمة بعد الواقعة.
اختطاف ثانٍ في باريس؟
بعد سنوات، عاد اسم الأمير سلطان إلى الواجهة مجددًا. ففي عام 2010، سُمح له بالسفر إلى الولايات المتحدة للعلاج، وهناك تحدث علنًا لأول مرة عن حادثة اختطافه، موجهًا اتهامات مباشرة لأفراد من عائلته.
لكن في فبراير 2016، كشفت الغارديان عن واقعة جديدة، زعمت فيها أن الأمير تعرض لاختطاف ثانٍ، هذه المرة في باريس، أثناء استعداده للسفر إلى القاهرة لزيارة والده المقيم في المنفى.
وبحسب مصادر مقربة منه، صعد سلطان إلى طائرة خاصة قُدمت له عبر القنصلية السعودية، لكنه لم يصل أبدًا إلى وجهته، ليختفي بعدها بشكل كامل.
الأمير تركي بن بندر… فيديوهات معارضة ثم صمت
القضية الثانية تتعلق بالأمير تركي بن بندر آل سعود، الذي شغل مناصب رفيعة في الشرطة السعودية. وبعد خلافات عائلية، غادر إلى باريس وطلب اللجوء السياسي عام 2009.
وبحسب ما نقلته بي بي سي، بدأ تركي في عام 2011 بنشر مقاطع فيديو على “يوتيوب” ينتقد فيها العائلة المالكة بشكل مباشر.
ورغم تلقيه وعودًا من وزير الداخلية السعودي آنذاك بعدم التعرض له، إلا أنه استمر في نشاطه المعارض حتى اختفى فجأة في يوليو 2015.
ووفق الجورنالي، تشير روايات معارضين سعوديين إلى أن الأمير اختفى خلال رحلة إلى المغرب، حيث يُعتقد أن السلطات هناك سلمته إلى الجانب السعودي.
ومنذ ذلك الحين، لم يظهر أي أثر رسمي له.
الأمير سعود بن سيف النصر… تغريدات وانقطاع مفاجئ
أما الأمير الثالث، سعود بن سيف النصر، فقد برز اسمه عام 2014 عبر حسابه على “تويتر”، حيث نشر سلسلة تغريدات انتقد فيها النظام السعودي بشكل غير مسبوق، ووصل به الأمر في سبتمبر 2015 إلى دعم دعوات علنية للإطاحة بالملك سلمان.
وبعد أيام قليلة، توقف حسابه تمامًا. وذكرت الجورنالي أن الأمير استقل طائرة خاصة كان يعتقد أنها متجهة إلى إيطاليا للقاء رجال أعمال، لكنها أقلته في النهاية إلى الرياض.
روايات أخرى، نقلتها بي بي سي عن الأمير المنشق خالد بن فرحان، تشير إلى أن الطائرة غيرت مسارها في اللحظات الأخيرة.
مصير مجهول وصمت رسمي
حتى اليوم، لا توجد معلومات مؤكدة حول مصير الأمراء الثلاثة: سلطان بن تركي، تركي بن بندر، وسعود بن سيف النصر.
فبينما أعلنت مصادر رسمية سعودية عام 2018 عودتهم إلى المملكة، لم يصدر أي توضيح بشأن أوضاعهم أو أماكن احتجازهم.
وتنقل الجورنالي عن معارضين سعوديين مخاوف من أن يكونوا قد تعرضوا للسجن السري أو حتى التصفية، دون وجود أي أدلة قاطعة تؤكد هذه الادعاءات.
يبقى الملف مفتوحًا، وتظل الأسئلة معلقة: أين اختفى الأمراء الثلاثة؟ وهل كان ثمن انتقاد الملكية هو الاختفاء الكامل من المشهد؟
أسئلة بلا إجابات، وصمت يصفه متابعون بـ”الأكثر إثارة للخوف”.