ما وراء الاتفاقيات: كيف غيّرت زيارة ابن سلمان معادلات واشنطن وطهران وتل أبيب؟

0 67

كتبت: بريجيت محمد 

تأتي زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة كواحدة من أهم التحركات الدبلوماسية في المنطقة هذا العام، إذ حملت الزيارة رسائل سياسية واستراتيجية تتجاوز بكثير الملفات الاقتصادية المعلنة. وقد مثّلت زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة فرصة لإعادة تشكيل التوازنات بين واشنطن وتل أبيب وطهران، إضافة إلى مناقشة الدور السعودي في القضايا الإقليمية مثل الحرب في السودان.

الحدث الأبرز، بحسب مراقبين، كان توقيع اتفاقية الأمن الاستراتيجي بين الرياض وواشنطن، وهي اتفاقية اكتست بطابع الخطاب الصاخب المعتاد للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لكنها هدفت في جوهرها إلى طمأنة السعودية بعد الهجوم الإسرائيلي المفاجئ على قطر، الذي أثار حالة من القلق في دول المنطقة.

ورغم التساؤلات حول ما إذا كانت مثل هذه التفاهمات ستُبعد الرياض عن فلك مجموعة “البريكس”، فإن هذا النقاش يبقى مؤجلاً. فالأهمية الحقيقية للزيارة تجلت في ثلاثة محاور أساسية:

أولاً: تراجع غير معلن لأولوية إسرائيل في أجندة واشنطن

أظهرت تصريحات ترامب خلال زيارة محمد بن سلمان توجهاً ملحوظاً نحو تقليص دور إسرائيل كعنصر محوري في الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط. ويتضح ذلك من موافقته على بيع طائرات F-35 للسعودية، رغم الاعتراض الإسرائيلي التقليدي الذي يهدف للحفاظ على التفوق الجوي التام لتل أبيب.

هذه المرة لم ينجح “الفيتو الإسرائيلي”، ولم تخفِ تل أبيب غضبها. ورغم أن الخبراء الإسرائيليين حاولوا التقليل من تأثير الصفقة على ميزان القوى، فإن ما أقلقهم فعلياً كان تجاهل ترامب لموقفهم وليس الصفقة بحد ذاتها.

كما تجنّب ترامب—عن قصد—الضغط على الرياض بشأن “اتفاقيات إبراهيم”، احتراماً لموقف المملكة التي تربط التطبيع بوجود مسار واضح وحقيقي نحو إقامة دولة فلسطينية. وهي نقطة لم تجد تل أبيب آذاناً صاغية أمريكياً خلال الزيارة.

ثانياً: رسالة إيرانية تحمل دلالات تتجاوز المجاملة الدبلوماسية

نشرت مجلة Middle East Eye تفاصيل لافتة عن رسالة خطية أرسلها الرئيس الإيراني مسعود بزيشكيان إلى ولي العهد السعودي قبل يوم من مغادرته إلى واشنطن.

وبينما حاول المتحدث باسم الحكومة الإيرانية التقليل من أهميتها، معتبرًا إياها مجرد “رسالة شكر” على حسن استقبال الحجاج الإيرانيين، فإن وسائل إعلام إيرانية مقربة من الحكومة أكدت أن الرسالة تنطوي على بعد سياسي أعمق.

وتكهنت هذه الوسائل بأن محمد بن سلمان ربما يكون مرشحاً للعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن، وهو ما قد يفسر توقيت الرسالة. وقد انعكس ذلك في تغطية الصحف الإيرانية الإصلاحية التي وضعت الخبر على صدر صفحاتها، مقابل تجاهل كامل من الصحف المتشددة.

تزامناً مع ذلك، أرسلت الدول الأوروبية والوفد الأمريكي لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنذاراً جديداً لطهران مطالبة بالسماح الفوري بتفتيش منشآتها النووية، في خطوة رأتها إيران خضوعاً لضغوط إسرائيلية، خصوصاً بعد شكوى سابقة أمام الأمم المتحدة تتهم طهران بعدم الالتزام ببنود الاتفاق النووي الأصلي.

وردّت إيران بغضب، مذكّرة بالاتفاق الذي توصلت إليه في القاهرة لاستئناف التفتيش قبل أن يتم تعليقه عقب الهجوم الإسرائيلي الذي اتهمت خلاله طهران مفتشي الوكالة بكشف تفاصيل حساسة لإسرائيل، بينها هويات علمائها الذين اغتيل عدد منهم لاحقاً.

وهكذا، وبينما كانت تظهر بوادر انفتاح أمريكي لإحياء الحوار مع إيران، جاءت التحركات الأوروبية لتصبّ—بحسب محللين—في اتجاه معاكس.

ثالثاً: مناشدة سعودية لترامب للتدخل في حرب السودان

جانب آخر لا يقل أهمية تمثّل في طلب محمد بن سلمان من ترامب التدخل لوقف النزاع الدموي في السودان، حيث تواجه القوات الحكومية مليشيات “قوات الدعم السريع” في صراع أدى إلى كوارث إنسانية واسعة، آخرها المأساة التي شهدتها مدينة الفاشر بعد حصار دام 18 شهراً.

وقد أبدى ترامب استعداده للوساطة، وسط آمال بأن يسهم هذا التدخل في وضع حد لأحد أكثر النزاعات الإقليمية إهمالاً على الساحة الدولية.

ان زيارة ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة لم تكن مجرد مناسبة اقتصادية، بل شكلت محطة سياسية حساسة حملت رسائل متعددة الاتجاهات:

إعادة ضبط لدور إسرائيل في حسابات واشنطن.

إشارات انفتاح محتمل بين إيران والولايات المتحدة عبر الرياض.

تحرك سعودي لإنهاء الحرب السودانية عبر تدخل أمريكي مباشر.

زيارة قصيرة… لكن تداعياتها قد تمتد طويلاً على خارطة المنطقة.

اقرأ أيضا:
ترامب يستقبل ولي العهد السعودي بحفاوة في البيت الأبيض ويعلن: استثمارات سعودية بـ600 مليار دولار في الطريق

 

Visited 9 times, 9 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق