30 عامًا في خدمة الوطن.. منال عبد الدايم ترصد تحديات المصريين بالخارج

حوار خاص مع السفيرة منال عبد الدايم قنصل مصر العام في ميلانو: 30 عامًا في بلاط الدبلوماسية المصرية

حوار: نجاة أبو قورة

في حوار اتسم بالشفافية والمصداقية، أجرت صحيفة الجمهورية والعالم لقاءً خاصًا مع سعادة السفيرة منال عبد الدايم، قنصل مصر العام في مدينة ميلانو الإيطالية، والتي أفنت عمرها في خدمة العمل الدبلوماسي لما يزيد عن ثلاثين عامًا، حاملة على عاتقها هموم المصريين في الداخل والخارج، ومجسّدة قيم المهنية، الوطنية، والإنسانية في أبهى صورها.

خلال هذا اللقاء، تحدثت السفيرة عن دور وزارة الخارجية المصرية، وخصوصية القنصلية العامة في ميلانو، والتحديات التي تواجه الجاليات المصرية في الخارج، وأهم ما تقدمه القنصليات من خدمات، بالإضافة إلى رؤيتها لمسيرة الدبلوماسية المصرية العريقة.

تاريخ الدبلوماسية المصرية… ريادة ومكانة

أكدت السفيرة منال عبد الدايم أن وزارة الخارجية المصرية تُعد من أقدم وزارات الخارجية في العالم، بل إنها أول وزارة خارجية في العالم العربي والإسلامي، حيث بدأت جذورها الأولى في عهد محمد علي باشا، ضمن ديوان يهتم بالأمور “الأفرنكية” وكان يختص في البداية بمعاملة الأجانب.

وأضافت: “عندما فرضت الحماية البريطانية على مصر عام 1914، لم يكن هناك منصب رسمي لوزير الخارجية، وكان البريطانيون هم من يديرون العمل الخارجي. وعندما تولى حسين رشدي رئاسة الوزارة في أبريل 1914، تم اختيار عدلي باشا يكن كوزير للخارجية، ولكن ألغي المنصب مجددًا بعد عزل عباس حلمي الثاني وتنصيب حسين كامل سلطانا على مصر.”

واستطردت قائلة: “مع إعلان الاستقلال عام 1922، أصبح لمصر تمثيل دبلوماسي وقنصلي في الخارج، واعتمد تاريخ 15 مارس كيوم رسمي للاحتفال بيوم الدبلوماسية المصرية. وقد شهدت الوزارة انتعاشة كبرى بعد ثورة 23 يوليو 1952، تحت قيادة الدكتور محمود فوزي الذي أعاد هيكلتها، لتصبح واحدة من أبرز مدارس الدبلوماسية في العالم”.

معهد الدراسات الدبلوماسية: بوابة التأهيل والاحتراف

عن طبيعة التأهيل للعمل الدبلوماسي، قالت السفيرة:

“لا يكفي الحصول على شهادة جامعية للالتحاق بوزارة الخارجية، فهناك معايير دقيقة يجب توفرها، منها أن يكون المتقدم مصريًا من أبوين مصريين، وغير متزوج من أجنبية، وحسن السير والسلوك، ولم تصدر ضده أحكام قضائية. من أجل ذلك أُسس معهد الدراسات الدبلوماسية عام 1969، وهو الذراع الرئيسي لتأهيل وتدريب الدبلوماسيين المصريين.”

وأضافت: “المعهد يعمل على صقل المهارات العلمية والعملية، ويُقيم دورات تدريبية للدبلوماسيين من الدول الصديقة والشقيقة، وله شراكات تعاون مع أكثر من 40 وزارة خارجية ومنظمة دولية.”

وأشارت السفيرة إلى أن الوزارة أنشأت مركز القاهرة لتسوية النزاعات وحفظ السلام في إفريقيا عام 2017، والذي يقوم بتنظيم مؤتمرات ودورات تدريبية داخل وخارج مصر، وله تعاون وشراكة مع الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، ووزارتي الدفاع والداخلية، بما يؤكد دور مصر الريادي في دعم السلم الإقليمي والدولي.

30 عامًا من العطاء.. كيف بدأت الرحلة؟

روت السفيرة بداية مشوارها، قائلة:

“أنا خريجة كلية التجارة – جامعة القاهرة عام 1986، وحصلت على ليسانس الحقوق عام 2007. التحقت بعدد من الدورات التدريبية، أبرزها دورة لمدة ستة أشهر في معهد الدراسات الإنمائية في برلين. عملت في عدة إدارات بوزارة الخارجية، منها الشؤون الاقتصادية والقانونية والدولية. بدأت مهمتي بالخارج بعد زواجي من السفير خالد طه – الذي كان يشغل منصب قنصل عام في فرانكفورت – ورافقتُه إلى عدة دول مثل الولايات المتحدة والسنغال.”

وتابعت:

“بعد أن كبر أبنائي، بدأت العمل بالخارج، وكان لزوجي دور كبير في دعمي وتشجيعي لممارسة هذا العمل، خاصة أننا ننتمي للمجال نفسه وندرك أهمية هذه الرسالة الوطنية.

توليت منصبي كنائب للقنصل العام في دبي، ثم مونتريال بكندا، قبل أن أُكلّف بمنصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الإدارية، حيث كنت أشارك في توزيع الدبلوماسيين على البعثات المصرية بالخارج.”

التحديات الأسرية والإنسانية في العمل الدبلوماسي

أكدت السفيرة أن العمل الدبلوماسي لا يخلو من التحديات، خاصة التوفيق بين المهام الدبلوماسية والحياة الأسرية، قائلة:

“الأبناء والحياة الأسرية هي التحدي الأكبر. ولكن عندما تحب عملك، تعطيه من جهدك ووقتك على حساب أمور أخرى.”

القنصلية المصرية في ميلانو.. تجربة مغايرة

قالت السفيرة منال عبد الدايم:

“أعتبر أن القنصلية المصرية في ميلانو من أهم القنصليات المصرية على مستوى العالم، لما لها من خصوصية في طبيعة الجالية المصرية المقيمة هناك. كثير من المصريين قدموا إلى إيطاليا بطريقة غير شرعية، بمستوى تعليمي وثقافي محدود، مما يجعلهم يواجهون صعوبات كبيرة في الاندماج والتعامل مع القانون الإيطالي.”

وأضافت:

“علينا أن نتعامل مع هذه الحالات بتفهم، وأن نقدم الدعم المناسب لهم، لا سيما أن بعضهم وقع فريسة لعناصر تستغل حاجتهم في أعمال غير قانونية، قد تؤدي للسجن أو الترحيل.

نواجه في القنصلية عددًا كبيرًا من المواطنين يوميًا، يتجاوز 250 مصريًا في بعض الأحيان، ونتعامل معهم بكل مهنية، ونسعى لتقديم خدماتنا لهم رغم التحديات.”

خدمات القنصلية المصرية في ميلانو

أوضحت السفيرة أن القنصلية تقدم مجموعة من الخدمات الأساسية للمصريين، أبرزها:

تجديد بطاقة الرقم القومي

إصدار وثائق السفر المؤقتة

شهادات الميلاد

تصديقات رسمية

عقود الزواج والطلاق

تصاريح الدفن

تقديم المشورة القانونية

زيارة السجون ومراكز الاحتجاز

تسجيل المواليد

تسليم الجوازات (والتي قد تصل إلى 230 جوازًا في اليوم)

وقالت:

“نعمل في بعض الأيام حتى ساعات متأخرة من الليل، وقد أبدت قوات الأمن الإيطالية دهشتها من حجم العمل الذي نقوم به.”

التعاون مع السلطات الإيطالية

صرّحت السفيرة:

“نحرص على التنسيق الكامل مع الجهات الإيطالية في ميلانو، من ضمنهم مدير مكتب الهجرة، ومدير الأمن العام Giuseppe Petronzi، وذلك من أجل رعاية مصالح الجالية المصرية، وحل أي مشكلات تواجههم، مما يعكس عمق علاقات الصداقة بين مصر وإيطاليا، والتي تعززت في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.”

التنسيق مع القناصل العرب في ميلانو

وعن التعاون الإقليمي، قالت السفيرة:

“تم تأسيس كيان دبلوماسي يضم القناصل العرب والأجانب في ميلانو لتبادل الخبرات والتشاور في القضايا القنصلية والخدمات المقدمة للجاليات. وقد تم انتخاب قنصل عام الأورجواي السيدة “لورينا تابيا نونيز” عميدة السلك القنصلي ، وتم انتخابي نائبة لها. هذا يعكس الحرص على العمل المشترك وتعزيز التعاون القنصلي الدولي.”

وفي الختام

شكرت صحيفة الجمهورية والعالم السفيرة منال عبد الدايم على هذا اللقاء الشامل، وعلى ما قدمته من جهود كبيرة للمصريين في ميلانو وضواحيها.

فقد كانت – بحق – سفيرة بدرجة “إنسان”، جمعت بين المهنية، الحكمة، التواضع، والقدرة على تفهم احتياجات أبناء وطنها في الخارج، ورسّخت دور القنصلية كـ”بوابة أمان” للمصري في أرض الغربة.

اقرأ أيضا:
السفيرة منال عبد الدايم لـ «الجمهورية والعالم»: نتعاون مع السلطات في ميلانو لتذليل كل العقبات أمام المصريين
في اليوم العالمي للمرأة.. السفيرة منال عبد الدايم تلقي محاضرة في جامعة ميلانو (المرأة في الدبلوماسية)