إيطاليا بين البعد الإنساني والحسابات السياسية في ملف غزة

0 208

ميلانو : نجاة أبو قورة 

تستعد إيطاليا اليوم لاستقبال 34 طفلًا من غزة يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة، في مبادرة تحمل طابعًا إنسانيًا بحتًا في ظاهرها، لكنها تعكس أيضًا خطوة سياسية مدروسة ضمن ملامح تحوّل متدرج في الموقف الإيطالي تجاه الأزمة.

ففي الأمس، وقعت روما إلى جانب كندا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من دوله الأعضاء، بيانًا مشتركًا يدعو إلى إدخال جميع المساعدات الإنسانية إلى غزة وتأمين عمل المنظمات غير الحكومية هناك.

كما أبدت الحكومة الإيطالية انتقادًا واضحًا لقرار إسرائيل بمواصلة الهجوم على مدينة غزة، حيث أجرت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني اتصالات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ثم مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لبحث إمكانية دور عربي في التوصل إلى وقف إطلاق النار باعتباره السبيل الوحيد لتفادي التصعيد.

ورغم هذه المواقف، فإن الحكومة الإيطالية لا تتحدث بصوت واحد؛ إذ عبّر وزير الدفاع غيدو كروسيتو عن ضرورة اتخاذ إجراءات للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف العقوبات، بينما أبدى وزير الخارجية أنطونيو تاجاني انفتاحًا مشروطًا على الاعتراف بدولة فلسطين، مع استخدام لهجة أكثر ليونة من كروسيتو ورفضه القاطع لأي احتلال إسرائيلي محتمل لقطاع غزة. هذا التباين دفع زعيم تحالف اليسار والخضر نيكولا فراتوياني للتساؤل عن أي الموقفين يمثل السياسة الرسمية لإيطاليا.

عمليًا، يبدو أن خط ميلوني هو الحاكم، وإن كان غير معلن رسميًا. فهي تتجنب الخطوات الصاخبة التي قد تثير توترات مع الولايات المتحدة، مثل فرض العقوبات أو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مفضّلة إظهار التزام بلادها عبر مبادرات إنسانية ملموسة كاستقبال الأطفال الجرحى، والدبلوماسية النشطة عبر شبكة اتصالات مع الدول العربية والسلطة الفلسطينية.

هذا التوجه يأتي في ظل مفاوضات موازية على جبهتين: أوكرانيا وغزة. فإيطاليا، التي أعادت تموضعها بالكامل في الصف الأوروبي المؤيد لكييف، تتبنى في ملف غزة موقفًا متطابقًا نظريًا مع الموقف الأوروبي، وإن كان التنفيذ العملي مختلفًا نظرًا لغياب موقف أوروبي موحد.

الأمس شهد دعوة مجلس أوروبا لجميع الدول الأعضاء إلى وقف إمدادات الأسلحة لإسرائيل، وهي خطوة تجاوبت معها دول بدرجات متفاوتة؛ إذ أعلنت لوكسمبورغ وقف استثمارات صندوقها السيادي في 11 شركة إسرائيلية، وعلقت ألمانيا تصدير الأسلحة ومكوناتها لكنها رفضت العقوبات الاقتصادية، بينما دعت فرنسا إلى إرسال بعثة للأمم المتحدة إلى غزة.

وفي ظل هذا المشهد المبعثر، تتحرك ميلوني وفق استراتيجيتها الخاصة، متجنبة قرارات لا تقتنع بجدواها، على أمل أن يتحقق موقف أوروبي موحد تستطيع روما أن تسير في ركبه. وحتى يحين ذلك، تواصل رئيسة الوزراء عزف لحنها السياسي الخاص.

Visited 45 times, 5 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق