إسرائيل بين بروكسل وواشنطن وبكين: شبكة اقتصادية تتحدى عزلة غزة

0 54

كتبت : بريجيت محمد

أعاد التصعيد في غزة إسرائيل إلى واجهة المشهد الإعلامي العالمي، وسط تقارير عن قصف ومعاناة إنسانية وضغوط دبلوماسية متزايدة. غير أنّ خلف هذا البعد المأساوي، يبرز وجه آخر للصراع أقل تداولاً: البعد الاقتصادي.

فرغم الدعوات إلى فرض عزلة على تل أبيب، تكشف الأرقام أنّ إسرائيل لا تزال تتحرك ضمن شبكة معقدة من العلاقات التجارية والمالية، يصعب تفكيكها. بل إن بعض الشراكات تعززت في السنوات الأخيرة، حتى مع استمرار الحرب.

الاتحاد الأوروبي: الشريك الأول

على خلاف الصورة النمطية التي تحصر الدعم الغربي لإسرائيل في الولايات المتحدة، تكشف البيانات أنّ الاتحاد الأوروبي هو الشريك الاقتصادي الأبرز.

ففي عام 2023 بلغت الاستثمارات الأوروبية في إسرائيل نحو 72.1 مليار يورو، أي ما يقارب ضعف الاستثمارات الأمريكية (39.2 مليار يورو). وفي الاتجاه المعاكس، ضخت إسرائيل 66 مليار يورو في اقتصادات أوروبا، أي سبعة أضعاف ما استثمرته في السوق الأمريكية.

وعلى صعيد التجارة، يتضح الثقل الأوروبي بشكل أكبر: أكثر من ثلث المبادلات التجارية الإسرائيلية تمر عبر الاتحاد الأوروبي، بقيمة تصل إلى 42.6 مليار يورو.

وتشمل أبرز القطاعات الآلات والمعدات والمواد الكيميائية. حتى عام 2024، الذي تميز بتصاعد الصراع في غزة، شهد نمواً إضافياً بمليار دولار في حجم التبادل.

ألمانيا وإيطاليا تقودان قائمة المصدرين نحو إسرائيل، خصوصاً في السيارات والأدوية والآلات. فيما تلعب هولندا دوراً محورياً كمركز مالي ولوجستي، حيث تتركز في أمستردام وحدها ثلثا الاستثمارات الإسرائيلية في الاتحاد.

أما تجارة الألماس فتظل مجالاً حساساً، تشارك فيه بقوة كل من بلجيكا وهولندا.

ورغم النقاشات المتكررة في بروكسل حول فرض عقوبات أو تعليق اتفاقيات، تبقى أوروبا الشريك الأول لتل أبيب، ما يطرح سؤالاً محورياً: إلى أي مدى يمكن أن تُغلَّب اعتبارات حقوق الإنسان على مليارات اليوروهات؟

الولايات المتحدة: ركيزة سياسية وعسكرية

لا تقل الولايات المتحدة أهمية، وإن كانت علاقاتها الاقتصادية المباشرة أضعف نسبياً. فهي تستحوذ على نحو 28% من الصادرات الإسرائيلية، خصوصاً الألماس والمكونات الإلكترونية والمواد الكيميائية.

كما تُعد المستورد الأبرز للأسلحة والتقنيات الدفاعية الإسرائيلية، في إطار شراكة تغذيها المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن سنوياً لتل أبيب.

لكن القيمة الحقيقية للعلاقة لا تُقاس بالأرقام فقط، بل بالبعد الاستراتيجي: إسرائيل تبقى الحليف الأقوى لواشنطن في الشرق الأوسط، وهو عامل يزن أكثر من أي ميزان تجاري.

آسيا والشرق الأوسط: بوابة جديدة

الركيزة الثالثة للاقتصاد الإسرائيلي هي آسيا. الصين هي الشريك الأكبر حالياً. بلغت صادراتها إلى إسرائيل أكثر من 19 مليار دولار، في حين تستورد من تل أبيب ما قيمته خمسة مليارات. وتشمل التجارة الإلكترونيات والكيماويات بالدرجة الأولى.

كوريا الجنوبية، اليابان، الهند وسنغافورة انضمت أيضاً إلى هذه الشبكة. وتتركز العلاقات معها في التكنولوجيا وصناعة السيارات. أما في الشرق الأوسط، فقد وقعت مصر اتفاقاً ضخماً لشراء الغاز الإسرائيلي بقيمة 35 مليار يورو.

هذا الانفتاح الآسيوي لا يلغي الروابط مع واشنطن وبروكسل. لكنه يضيف بعداً جديداً، ويضع إسرائيل في موقع مركزي بين الشرق والغرب. التحدي الأساسي هو الحفاظ على هذا التوازن، خاصة مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والصين.

Visited 4 times, 4 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق