كتبت: بريجيت محمد
في تصعيد جديد للتوترات الجيوسياسية، هاجمت الهند التهديدات الغربية المتعلقة بعلاقاتها التجارية مع روسيا، معتبرة إياها “غير مبررة وغير منطقية”.
جاء ذلك في أعقاب تحذيرات أمريكية وأوروبية بفرض عقوبات على دول تواصل التجارة مع موسكو، وعلى رأسها الهند. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية، راندير جايسوال، إن بلاده ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية أمنها الاقتصادي ومصالحها الوطنية.
تناقضات الغرب
انتقدت وزارة الخارجية الهندية ما وصفته بـ”النفاق الغربي”، مشيرة إلى أن الدول نفسها التي تهاجم نيودلهي بسبب تعاونها مع موسكو، تحتفظ بعلاقات تجارية واسعة مع روسيا.
على سبيل المثال، في حين تهدد واشنطن الهند بسبب تبادل تجاري بقيمة 63 مليار يورو مع موسكو، تبلغ واردات الاتحاد الأوروبي من روسيا 84 مليار يورو، وتستورد الولايات المتحدة مواد استراتيجية روسية حيوية لصناعاتها، مثل الأسمدة والبلاديوم واليورانيوم.
تصعيد أمريكي جديد
من المتوقع أن تبدأ الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على السلع الهندية يوم الخميس 7 أغسطس، في إطار استراتيجية ضغط تقودها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأعلن ترامب عن نية فرض رسوم تصل إلى 500٪ على الدول المتعاملة مع روسيا، إذا لم يتم التوصل إلى هدنة في أوكرانيا خلال 50 يوماً. كما اتهم ترامب الهند بعدم الاكتراث بالخسائر البشرية في أوكرانيا، وكتب على منصة”Truth”: “الهند لا تهتم بعدد الأشخاص الذين قتلوا هناك”.
رد روسي ساخر

جاء الرد الروسي عبر وسائل الإعلام الموالية للكرملين، التي سخرت من “الإنذارات الأمريكية” ووصفت ترامب بـ”العم سام الذي يطلق فقاعات صابون”.
كما كتب ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، أن كل إنذار يصدر عن البيت الأبيض يمثل خطوة نحو الحرب.
شراكة هندية روسية متجذرة
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، أصبحت روسيا المورد الرئيسي للنفط إلى الهند، والتي تعتمد حالياً بنسبة 35 إلى 40٪ من وارداتها على الخام الروسي، مقارنة بأقل من 2٪ قبل الحرب.
وبلغت قيمة التجارة الثنائية 68.7 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في مارس 2025. وترى الهند أن هذه العلاقات تمثل “مصالح وطنية حيوية”، كما وصفها جايسوال.
ازدواجية المعايير الغربية
بينما تُهدد الهند بعقوبات قاسية، تحتفظ دول مثل الصين وتركيا بعلاقات نشطة مع روسيا دون أن تواجه ضغوطاً مماثلة. كما أن الاتحاد الأوروبي، رغم فرضه حزمة العقوبات الثامنة عشرة، لا يزال يحتفظ بتجارة نشطة مع موسكو، شملت واردات بقيمة 35.9 مليار يورو في عام 2024، معظمها من الوقود الأحفوري.
تهديد للمصالح الهندية
تخشى نيودلهي من تأثير العقوبات الأوروبية الأخيرة، التي تحظر استيراد المنتجات البترولية المكررة من الخام الروسي، حتى لو تمت معالجتها في دول ثالثة. ويهدد ذلك بتقويض صادرات هندية بقيمة 14.3 مليار دولار سنوياً إلى أوروبا. وتعتبر الهند أن استثناء دول مثل الولايات المتحدة وكندا وسويسرا من هذه القيود يمثل خرقاً لمبدأ المساواة ويؤجج التوترات الدبلوماسية.
علاقات معقدة مع أوروبا
يأتي هذا التصعيد في وقت حساس، حيث تسعى الهند والاتحاد الأوروبي لإحياء مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة، المتوقفة منذ 2014. وبلغ حجم التجارة بين الطرفين 124 مليار يورو في 2023، ما يجعل الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للهند.
لكن التوتر حول الملف الروسي يهدد بإفشال المفاوضات، رغم الدفع السياسي الذي تقوده بروكسل.
الخلاصة
الهند، القوة الاقتصادية الصاعدة، تجد نفسها عالقة بين مطرقة الضغوط الغربية وسندان مصالحها الاستراتيجية مع روسيا. وبينما تندد بالمعايير المزدوجة، تتمسك نيودلهي بحقها في تأمين احتياجاتها الوطنية، في وقت يزداد فيه التشابك بين الاقتصاد والسياسة على الساحة الدولية.
اقرأ أيضا:
تصعيد نووي بين ترامب وميدفيديف: غواصات أمريكية تهدد وروسيا تلوّح بـ”اليد الميتة”