القصف الحوثي على إسرائيل.. ردّ موازٍ على “مجازر غزة” ودلالة فشل المنظومات الدفاعية للاحتلال

0 54

أحمد عبد الناصر

في تصعيد جديد للحرب التي طالت غزة وما يرافقها من ردود متسارعة، نفذت جماعة الحوثي اليمنية هجوما عبر طائرة مسيرة استهدفت فندقا في مدينة إيلات الإسرائيلية، مخلّفة إصابات بين المدنيين.

هذه الخطوة لم تكن فقط محاولة ردّ بالمثل، بل رسالة سياسية وعسكرية في زمن تشظّي الجبهات وتنامي العداء الإقليمي للقوة الإسرائيلية.

هذا التقرير يقدّم قراءة مفصلة للهجوم الحوثي، أسباب تنفيذه، نقاط الضعف التي كشف عنها في الجبهة الإسرائيلية، وكيف أن هذه الخطوة ترتبط مباشرة بالملامح المظلمة في مجازر غزة، وتبيّن مدى خلل سياسات بنيامين نتنياهو التي تبدو عاجزة عن ضمان أمن داخلي فعّال.

١- تفاصيل الهجوم والمسار الزمني

مسيرة استهدفت فندقا في إيلات

في الهجوم الأخير، أطلقت جماعة الحوثي طائرة مسيرة باتجاه فندق في مدينة إيلات، ما أدى إلى إصابة نحو 27 شخصاً، بينهم سياح ومقيمون محليون.

تحقيق بشأن فشل القبة الحديدية

ذكرت إذاعة جيش الاحتلال أن هناك تحقيقاً جارياً لمعرفة الأسباب التي أدت إلى فشل منظومة القبة الحديدية في اعتراض المسيرة، خصوصاً بعد إطلاق صاروخين إضافيين تجاه الهدف عند محاولتها الدخول إلى الأجواء الإسرائيلية.

سياق الهجمات السابقة

لا يُعد هذا الهجوم الأول من نوعه. قبل ذلك، نفذت جماعة الحوثي عمليات استهدفت أهدافاً إسرائيلية، كان أبرزها هجوم أسفر عن مقتل مسؤول إسرائيلي وأربعة مواطنين إلا أن الاحتلال غالباً ما يتبنّى سياسة التعتيم الإعلامي في إعلان الأرقام الحقيقية للضحايا، ويُرجّح أن حصيلة الإصابات الحقيقية في الهجوم الأخير أكبر بكثير مما أُعلن رسمياً.

٢ -دوافع الحوثي: من الضغط إلى التوازن الرمزي

 

ردّ على المجازر في غزة

يرى مراقبون أن العمليات الحوثية ضد إسرائيل تأتي كجزء من مسار “ردّ متوازي” على ما يجري في غزة. فحين تُرتكب المجازر بحق المدنيين في القطاع، يتحول الحوثيون إلى طرف ثانوي يتبنّى خيار المواجهة، مستغلاً ضعف الانكفاء العربي أو التردد في الفعل المباشر.

استهداف المدن السياحية

اختارت جماعة الحوثي مدينة إيلات تحديداً لأنها مدينة سياحية، يعيش فيها الإسرائيليون لحظات استجمام أو مناسبة احتفالية.

الضربة هنا ليست عشوائية؛ بل ذات بُعد نفسي ورمز، بقصد إثارة الرعب في الأوساط المدنية، وإجبار الدولة على الانكفاء أو إشغال مواردها الأمنية بدلاً من الصراع في غزة.

إضعاف الثقة بالدفاعات الإسرائيلية

الهجوم الأخير لا يكتفي بتوجيه رسائل إلى الجمهور الإسرائيلي، بل أيضاً يضع السؤال أمام منظومة الدفاع الجوي التي لطالما اعتُمدت كضمانة لأمن قاعدة إسرائيل الداخلية. فشل الاعتراض ينهش المصداقية ويكشف هشاشة الجدار الأمني المعلن عنه.

٣ – مكامن الفشل في الجانب الإسرائيلي

ثغرات في منظومة القبة الحديدية

تصريحات الاحتلال تؤكّد أن منظومة القبة الحديدية لم تتمكّن من اعتراض المسيرة، على الرغم من إطلاق صاروخين نحوها في محاولة للتصدي.

هذا الفشل يشير إلى احتمال وجود أعطاب تقنية أو نقص في الذخيرة المتقدمة اللازمة للاعتراض.

قصور في التنسيق الاستخباراتي

الهجمات الحوثية تُظهِر أن المعلومات الاستخباراتية لم تستطع رصد الإعداد والتحليق للمسيرة قبل دخولها الأجواء. هذا يُعد فشلاً في التنبؤ المبكر والاستجابة الوقائية.

فتح جبهات متعددة وتعريض الداخل لتهديدات

سياسات نتنياهو التي تشجّع على التوسع العسكري وردود الفعل في أكثر من جبهة في آنٍ واحد تُضعف التركيز على تأمين الداخل أو فرض توازن استراتيجي ثابت.

في الوقت الذي يُنفق فيه الجانب الإسرائيلي أموالاً طائلة في العمليات البرية والجوية في غزة أو ضد إيران بالوكالة، يُترك الداخل عرضة لتهديدات تفوق قدراته الدفاعية في بعض الأحيان.

التعتيم الإعلامي وتحميل الضحايا

بعد وقوع الهجوم، عمدت السلطات إلى تحميل السياح جزئياً مسؤولية الإصابات بحجة أنهم لم يلجأوا إلى الملاجئ، وكأن الردّ على ذلك يقع على المدنيين وليس على الدولة التي تدّعي حماية المواطنين.

هذا الأسلوب الإعلامي يُظهِر كارثية في استراتيجية التواصل مع الجمهور، ويُبرِز حالة من التبرئة الرسمية غير المقبولة.

من اليمن إلى تل أبيب.. الصاروخ الذي تجاوز “القبة الحديدية”

٤ – أبعاد استراتيجية وإقليمية للهجوم الحوثي

توسيع دائرة الاشتباك الإقليمي

بدخول الحوثيين على خط المواجهة الفعلي ضد إسرائيل، تتحول الحرب إلى صراع إقليمي أوسع يشمل اليمن بمعادلاته، ويُذكّر بأن ملفات الصراع ليست محصورة في الضفة أو القطاع فحسب، بل تمتد إلى دول الجوار والشركاء الإقليميين.

جماعة الحوثي.. محاولات لفرض نفسها كفاعل سياسي

 

الضربة الحوثية تأتي في ظل صمت أو تردد من بعض الدول العربية بشأن المجازر في غزة، مما يتيح لجماعة الحوثي أن تفسيرها “ردّ شجاع” والانتقال من كونها طرفاً هامشياً إلى فاعل سياسي يُحسب له حساب.

هذه الخطوة تزيد من ضغوط الحلفاء على إسرائيل وتُحرجها سياسياً أمام المجتمع الدولي.

اختبار ردود الفعل الإسرائيلية والدولية

الهجوم يُعدّ استكشافاً لمعدّل الاستجابة الإسرائيلية: هل سترد بقوة في اليمن أم تقتصر على غزة؟ وكيف ستتعامل الدول المحيطة مع التصعيد؟ كل هذه المعطيات تحمل في طيّاتها رسائل سياسية يحملها الحوثيون للداخل الإسرائيلي وللإقليم ككل.

٥ – تحليل أخير: كيف يشتبك القصف الحوثي مع مجازر غزة وتخبط نتنياهو؟

بداية القصف الحوثي على إسرائيل، كما يبدو، ليست مجرّد ردّ انتقامي بسيط، بل هي تصعيد مخطط مدروس يرتبط مباشرة بمجازر غزة. فحين ترتكب إسرائيل أفعالاً تُرمى على أنها جرائم ضد الإنسانية في القطاع، تفتح الباب أمام فاعلين من خارج سياق النزاع المباشر للتدخّل، مستغلّين الزخم الحقوقي والعاطفي المُساند لفلسطين. الحوثيون، هنا، لا يدخلون الحرب كمتفرّجين، بل كطرف يطالب بأن يُحسب له حساب في ميزان الردّ.

من جهة أخرى، سياسات بنيامين نتنياهو تبدو متخبطة حين تضع في أولوياتها توسيع الجبهات، لتشتيت الجبهة الداخلية، والتحشيد المستمر ضد الأعداء، لكن دون استراتيجية واضحة لحماية المواطنين في الداخل. فبدلاً من أن تكون سياسات نتنياهو عامل استقرار داخلي، تتحول إلى متاهة من الصراعات التي تهدّد الأمن الإسرائيلي ذاته.

الفشل في اعتراض مسيرة بسيطة بوسائل تكنولوجية متقدمة يشير إلى أن إسرائيل ليست بمنأى عن اختراقات أمنية قد تكبّدها ثمنًا كبيرًا في المستقبل.

ومع توسّع دائرة الاستهداف لتشمل الداخل الإسرائيلي، يصبح السؤال: أي جبهة ستصمد أولاً؟ وهل تُجبر الضغوط الحوثية إسرائيل على إعادة النظر في سياستها العدائية تجاه غزة؟.

اقرأ أيضا:
العملية العسكرية بمدينة غزة.. مجازر جديدة بغرض التهجير وتوقعات بفشل الاحتلال في تحقيق أهدافه

 

 

Visited 9 times, 9 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق