ظاهرة التحرش في المجتمعات العربية: أزمة نفسية واجتماعية تتطلب حلولًا شاملة

0 51

بقلم: المستشار أشرف عمر

تتصاعد في المجتمعات العربية ظاهرة التحرش، حتى باتت انعكاسًا مباشرًا لأزمات نفسية واجتماعية عميقة. ويؤكد خبراء علم النفس أنّ كثيرًا من المتحرشين لا ينتمون إلى فئة واحدة، بل هم أصناف متعددة، لكل منهم دوافعه وخلفياته النفسية والاجتماعية التي تستوجب التعمق في فهمها ووضع برامج علاجية متخصصة لها.

المتحرشون.. أصناف ومستويات

المتحرش ليس حالة نمطية واحدة كما يظن البعض، بل يمكن تصنيفه إلى عدة مستويات:

المريض النفسي: من يحتاج إلى علاج نفسي ودوائي صريح بسبب اضطراباته أو ميوله الشاذة، وهذه الحالات ينبغي التعامل معها كما يُتعامل مع الإدمان عبر آليات متابعة وإبلاغ وعلاج.

المهمش اجتماعيًا وأسريًا: الذي يشعر بالحرمان المادي أو النفسي أو العاطفي، فيلجأ إلى التحرش كوسيلة لإشباع نقص داخلي.

ضعيف الشخصية: الذي يسعى إلى إثبات رجولته المنقوصة عبر ممارسات مسيئة.

متعاطي المخدرات: حيث تزيد هذه السموم من تغذية جانبه المظلم وتدفعه للسلوكيات العدوانية.

المقهور في بيته: الذي يفتقد التواصل الأسري، فيبحث خارجه عما يظنه تعويضًا.

المنتقم من المجتمع: الذي يدفعه غضب مكبوت أو تجربة قاسية للانتقام من الآخرين عبر التحرش.

جذور الأزمة: الأسرة والمجتمع والدين

إنّ جذور هذه الظاهرة ترجع إلى مجموعة من العوامل المتشابكة:

ضعف دور الأسرة وانشغالها بتوفير المتطلبات المادية فقط دون تربية أو تواصل عاطفي حقيقي.

الصمت الأسري والعنف المباشر وغير المباشر بين الزوجين والأبناء.

غياب التثقيف الأسري والعاطفي، وعدم معرفة الزوجين بأصول التواصل والاحتواء.

ضعف دور دور العبادة ورجال الدين في التوعية بأخلاقيات التعامل والحدود والحقوق.

قصور المناهج التعليمية التي لا تخاطب السلوك المجتمعي أو تهذّبه، وضعف تأهيل المعلمين ثقافيًا وتربويًا.

تأثير الإعلام من مسلسلات وأفلام تروّج للفوضى والعلاقات المشوهة.

الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقم مشاعر القهر والحرمان.

التحرش ليس رادعًا قانونيًا فقط

قد يظن البعض أنّ تشديد القوانين وحده كفيل بردع المتحرشين، لكن الواقع أن الظاهرة أصبحت متجذرة، ويمارسها ذكور وإناث، صغار وكبار، في مختلف البيئات. وهذا يفرض ضرورة دراسة الشخصية العربية بعمق، واستخراج مكامن الكبت النفسي والعاطفي قبل أن يتحول إلى سلوك مؤذٍ.

الحلول المطلوبة: معالجة شاملة لا جزئية

إن مواجهة التحرش لا تكون إلا بخطة متكاملة تشمل:

تعزيز الوعي النفسي: من خلال استغلال الطاقات العاطلة من خريجي علم النفس لإجراء أبحاث استقصائية وميدانية.

إعادة بناء الأسرة: عبر تدريب الأزواج على التواصل العاطفي، ونشر ثقافة التربية السليمة القائمة على الحب والاحترام، لا العنف أو الإهمال.

تجديد المناهج التعليمية: بما يتضمن موادًا للتثقيف الأسري والنفسي والأخلاقي.

تفعيل دور الإعلام: في نشر رسائل إيجابية بدلًا من تكريس الفوضى الأخلاقية.

تنمية الهوايات والطاقات الشبابية: كوسيلة للتنفيس عن الكبت النفسي والعاطفي.

الخلاصة

ظاهرة التحرش ليست مجرد انحراف سلوكي، بل انعكاس مباشر لأزمة نفسية واجتماعية عميقة في المجتمعات العربية. الحل يبدأ من داخل الأسرة، ويمر عبر التعليم والإعلام والدين، ويُستكمل بتدخلات نفسية ومجتمعية جادة تعيد للمجتمع توازنه، وللشباب مسارهم الصحيح.

Visited 9 times, 9 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق