كتبت: بريجيت محمد
أردوغان بين دعم فلسطين وحسابات السياسة الدولية
في خضم الصخب السياسي في الشرق الأوسط، يبرز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كشخصية مؤثرة لطالما قدّمت نفسها حاملةً لواء القضية الفلسطينية، وغالبًا ما عبّر عن موقفه بطرق لفظية وعملية تفوق ما أبدته العديد من دول المنطقة.
هدفه المعلن كان دائمًا أن يصبح مرجعية للعالم الإسلامي السني بأسره.
لا يزال مشهد “دقيقة واحدة” في منتدى دافوس عام 2009 حاضرًا في الذاكرة، حين وجّه أردوغان انتقادًا حادًا للرئيس الإسرائيلي آنذاك شيمون بيريز على خلفية عملية “الرصاص المصبوب” ضد قطاع غزة.
ذلك الموقف كان بداية مسار سياسي طويل عزز صورته في الشارع الفلسطيني، حتى وُصف في غزة بأنه أشبه بنجم موسيقى الروك.
عام 2010، تصدّرت سفينة “مافي مرمرة” عناوين الأخبار عندما غادرت إسطنبول متجهة إلى القطاع ضمن “أسطول الحرية” حاملة مساعدات إنسانية، قبل أن تتعرض لهجوم البحرية الإسرائيلية في المياه الدولية، ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص.
منذ ذلك الحين، واصل أردوغان مهاجمة إسرائيل في المحافل الدولية، وقطع العلاقات الدبلوماسية معها أكثر من مرة، وصولًا إلى قراره في مايو 2024 بوقف التبادل التجاري، رغم أن الأرقام الفعلية للتجارة لم تتأثر بشكل كبير.
يرتبط موقف أردوغان جزئيًا بعلاقته الوثيقة مع حركة حماس، في ظل انتماء الطرفين إلى الإخوان المسلمين، الذين يعتبرهم أردوغان التعبير السياسي الأقرب لفكره. وقد اتُهمت أنقرة سابقًا بتمويل بعض البنى التحتية التي استخدمتها الحركة، وعلى رأسها شبكة الأنفاق التي دُمّرت بعد هجوم 7 أكتوبر 2023.
لكن مع مرور الوقت، بدا أن خطاب أردوغان تجاه إسرائيل أصبح أكثر حذرًا، لسببين رئيسيين: أولًا، التراجع التدريجي لنفوذ إيران وما تبعه من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ما أتاح لأنقرة فرصة توسيع نفوذها في الشمال السوري عبر علاقات مميزة مع الزعيم الجديد في دمشق، أحمد الشرع.
ثانيًا، انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، وعلاقته الوثيقة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأمر الذي دفع أردوغان لاتباع نهج أكثر براغماتية للحفاظ على قنوات التواصل مع واشنطن.
مؤخرًا، وقّع أردوغان على إعلان يدين أحداث 7 أكتوبر ويدعو حماس إلى نزع سلاحها والتخلي عن سيطرتها على غزة، في إشارة إلى تغيّر ملحوظ في الموقف التركي. يدرك الرئيس التركي أن بقاء الحركة في القطاع أصبح مهددًا، وأن الولايات المتحدة شريك أساسي لتحقيق أهدافه الإقليمية.
إلى جانب الملف الفلسطيني والسوري، يناقش الطرفان قضايا اقتصادية واستراتيجية أخرى، منها التعريفات الجمركية على الصلب والألمنيوم التركي، ودور أنقرة في أوكرانيا بعد الحرب، وخطط إعادة إعمار غزة. بالنسبة لأردوغان،
تمثل هذه الملفات فرصًا ضرورية لإنعاش الاقتصاد التركي الذي يعاني ضغوطًا متزايدة، فيما يبقى الملف الفلسطيني حاضرًا بقدر ما يخدم أولويات السياسة التركية في المرحلة المقبلة.