الدبلوماسية البرلمانية… صوت الشعوب وجسر السياسة الناعمة

0 72

بقلم :المستشار/نزيه الحكيم

لم يعد البرلمان اليوم مجرد ساحة للتشريع ومراقبة أداء الحكومات، بل تحوّل إلى لاعب فاعل في الساحة الدولية من خلال ما يُعرف بـ الدبلوماسية البرلمانية، وهي الوجه غير الرسمي للسياسة الخارجية، حيث يُعبر النواب عن إرادة شعوبهم في المحافل الدولية، ويمارسون دورًا تكميليًا يعضد الدبلوماسية الرسمية للدولة.

أولًا: ماهية الدبلوماسية البرلمانية

يقوم هذا المفهوم على أن للبرلمان حقًا في الانفتاح على العالم الخارجي، عبر الوفود البرلمانية، ولجان الصداقة المشتركة، والمشاركة في الاتحادات الدولية والإقليمية مثل البرلمان العربي أو الاتحاد البرلماني الدولي. هذه القنوات تمنح البرلمانيين مساحة للتحاور مع نظرائهم بعيدًا عن ضغوط السياسة الرسمية، بما يتيح مساحة أرحب للتفاهم وتبادل الرؤى.

ثانيًا: أهمية الدبلوماسية البرلمانية

تكتسب هذه الدبلوماسية أهميتها من كونها صوت الشعوب. فحين يتحدث النائب باسم ناخبيه، فإنه يضيف بعدًا شعبيًا للعلاقات بين الدول.

ومن أبرز مزاياها:

1.⁠ ⁠تخفيف التوترات: فهي قناة موازية للحوار، قادرة على كسر الجمود الدبلوماسي بين الحكومات.

2.⁠ ⁠تعزيز صورة الدولة خارجيًا: وجود نواب فاعلين في المحافل الدولية يقدّم نموذجًا حضاريًا لصوت الشعب ومؤسساته.

3.⁠ ⁠فتح آفاق التعاون: النواب يستطيعون طرح مبادرات اقتصادية وثقافية وتشريعية تشجع على الشراكات العابرة للحدود.

4.⁠ ⁠الدبلوماسية الشعبية: إذ يشعر المواطن في الدولة الأخرى أن التواصل ليس بين حكومات فقط، بل بين شعوب متقاربة.

ثالثًا: التحديات التي تواجهها

رغم أهميتها، تواجه الدبلوماسية البرلمانية عدة تحديات:

ضعف إعداد النواب: فالكثير من البرلمانيين يفتقرون إلى اللغات الأجنبية أو خلفية العلاقات الدولية.

غياب التأهيل الدبلوماسي: فليس كل نائب قادرًا على إدارة حوار دولي معقد يتطلب معرفة بالتوازنات السياسية والقانونية.

هيمنة الحكومات: أحيانًا يُنظر للدبلوماسية البرلمانية باعتبارها ثانوية أو مكمّلة فقط، فتُهمّش أدوارها.

التمثيل الموسمي: حيث تنشط هذه الدبلوماسية عند الأزمات أو المؤتمرات، ثم تخفت بعيدًا عن الاستمرارية.

رابعًا: آفاق المستقبل

إذا أُحسن استثمار الدبلوماسية البرلمانية، فإنها قد تصبح جسرًا ذهبيًا بين الشعوب والدول. ويتحقق ذلك من خلال:

1.⁠ ⁠تأهيل النواب: عبر برامج تدريب في العلاقات الدولية والقانون الدستوري المقارن.

2.⁠ ⁠إنشاء وحدات متخصصة داخل البرلمانات تُعنى بالتواصل الدولي المستمر.

3.⁠ ⁠تعزيز التنسيق بين البرلمانات والحكومات لتكامل الجهدين الرسمي والشعبي.

4.⁠ ⁠الانفتاح على القضايا العالمية: مثل حقوق الإنسان، التغير المناخي، وأمن الطاقة، لتقديم صورة متقدمة عن برلماناتنا.

وختامآ

فإن الدبلوماسية البرلمانية ليست ترفًا سياسيًا، بل ضرورة تفرضها تحولات النظام الدولي وتعقيدات العلاقات بين الدول. وهي في جوهرها تعبير عن أن الشعوب قادرة على مخاطبة بعضها بعيدًا عن صخب المصالح الضيقة، وأن صوت البرلماني قد يكون أصدق من لغة المندوب الرسمي. فحين يرتفع صوت الشعب في قاعة دولية، تُفتح نافذة جديدة للأمل والتفاهم، وتُبنى جسور لا تهدمها الخلافات السياسية.

Visited 19 times, 19 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق