تقرير إيطالي: تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير مجددًا لأسباب أمنية وإقليمية
القاهرة – متابعات صحفية – سارة غنيم
نقلت صحف إيطالية عن بيان رسمي صادر عن وزارة السياحة والآثار المصرية في 14 يونيو، إعلانًا بتأجيل الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير (GEM)، الذي كان من المقرر إقامته في 3 يوليو المقبل.
وأوضحت الوزارة أن القرار جاء “في ضوء التطورات الإقليمية الحالية”، مؤكدة أن الإعلان عن الموعد الجديد سيتم “في الوقت المناسب عبر القنوات الرسمية”.
وفي مذكرة سابقة نُشرت قبل أسبوع، نفت الوزارة صحة ما تداولته مواقع التواصل بشأن تحديد 4 نوفمبر كموعد جديد، مشددة على أن التأجيل يهدف إلى “تقديم الحدث بما يليق بعظمة الحضارة المصرية وتراثها الفريد”، مع ترجيح عقد الافتتاح خلال الربع الأخير من العام.
مخاوف أمنية ورسائل سياسية

وأشارت الصحف الإيطالية إلى أن القرار جاء نتيجة مخاوف أمنية متزايدة مرتبطة بالتوترات الإقليمية، خاصة الحرب الجارية بين إسرائيل وإيران.
فالمخاوف تشمل احتمال تعرّض الوفود الأجنبية أو الشخصيات العالمية المدعوة لأي تهديد، إلى جانب الحساسية المتزايدة في الشارع العربي تجاه احتفالات كبرى في ظل المجازر اليومية في غزة.
ردود الفعل على التأجيل جاءت متنوعة على صفحات التواصل التابعة للوزارات المصرية. البعض أيّد القرار، معتبرًا أنه “حكيم”، بينما طالب آخرون بإلغاء الاحتفالات “احترامًا للأطفال الذين يُقتلون يوميًا في غزة”.
فيما رأى آخرون أن التأجيل قد يكون فرصة للتحسين والتجهيز الجيد.
كتب أحد المعلقين: “المتحف ليس مبنى فقط، إنه تاريخ حي يتنفس”. بينما علّق آخر بسخرية: “يبدو أن لعنة توت عنخ آمون لا تزال تطارد المشروع، ففي كل مرة يُعلن فيها موعد افتتاح، تحدث كارثة ما”.
المتحف يعمل جزئيًا… والافتتاح مؤجل فقط
تجدر الإشارة إلى أن التأجيل يتعلق بالافتتاح الرسمي، لا بعمل المتحف نفسه، إذ إن أجزاء منه مفتوحة بالفعل للزوار، باستثناء قاعات توت عنخ آمون وسفن خوفو، التي لا تزال قيد الإعداد.
هذه القاعات المنتظرة تُعتبر الأكثر جذبًا للزوار، وتُعد بمثابة جوهرة التاج في مشروع ضخم بدأت فكرته منذ أكثر من عقدين.
في الخلفية، تلعب الديناميكيات الإقليمية والسياسية دورًا محوريًا في المشهد. وبينما يدعو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى دعم جهود التهدئة بين أطراف النزاع في الشرق الأوسط، يبدو أن الحكومة المصرية تسعى لتقديم صورة دولة مستقرة، حديثة، ومتقدمة، من خلال مشروع المتحف الذي يُعد من أضخم المؤسسات الثقافية في العالم.

من قلب القاهرة إلى هضبة الجيزة
لطالما كان المتحف المصري في ميدان التحرير أيقونة لعلماء المصريات والسياح من مختلف أنحاء العالم. لكن المتحف الكبير الجديد (GEM) الواقع على هضبة الجيزة، يمثل نقلة حضارية وهندسية، ويقع على بعد كيلومترين فقط من هرم خوفو، حيث يمكن مشاهدة الأهرامات من النوافذ البانورامية للمتحف.
المتحف الذي يمتد على مساحة 500 ألف متر مربع، ويضم 12 قاعة عرض رئيسية، يتميز ببنية معمارية فريدة مستوحاة من الأشكال الهندسية للأهرامات.
وقد صُممت واجهته بالمرمر وزُينت بخراطيش ملوك مصر القديمة. كما أُنشئت ممرات لذوي الاحتياجات الخاصة، ومرافق خدمية حديثة، فضلاً عن قربه من مطار “أبو الهول” الجديد المخصص للرحلات السياحية.
رمسيس الثاني… في استقبال الزوار
منذ اللحظة الأولى، يستقبل الزوار تمثال ضخم لرمسيس الثاني، نُقل في عام 2007 من ميدان عام إلى المتحف، واستُقر أخيرًا في بهوه الرئيسي في عام 2018.
نُفذ نقله ضمن احتفال رسمي حضره وزراء وسفراء أجانب، ورافقته موسيقى “عيدة” لفردي، في مشهد احتفالي بثته الشاشات المصرية مباشرة، ليؤكد رمزية المشروع الوطنية.
المشروع… من حلم إلى واقع مؤجل
بدأت فكرة المتحف في أوائل التسعينيات. وفي عام 1995، وضعت لجنة إيطالية مصرية دراسة جدوى أولية، قبل أن يوضع حجر الأساس في 2002 بحضور الرئيس الأسبق حسني مبارك. ورغم فوز شركة معمارية أيرلندية بالمناقصة، فإن المشروع واجه تحديات عديدة، من اضطرابات 2011 إلى جائحة كورونا، ما أدى إلى تأجيل متكرر في مراحله المختلفة.
تكلفة المشروع، التي قُدّرت مبدئيًا بنحو 800 مليون دولار، تجاوزت لاحقًا 1.2 مليار دولار، بدعم مالي من الحكومة اليابانية، خاصة لبناء قاعات عرض كنوز توت عنخ آمون.
المتحف… بين الرسالة الحضارية والحسابات السياسية

وفقًا للصحف الإيطالية، لا يُنظر إلى المتحف على أنه مجرد مرفق ثقافي، بل يُعد أداة دبلوماسية ناعمة لتعزيز صورة مصر عالميًا كدولة قادرة على الحفاظ على إرثها وتقديمه بأسلوب عصري.
فالمتحف مشروع سياسي بامتياز، يهدف إلى دعم قطاع السياحة، وإنعاش الاقتصاد، وجذب الاستثمارات.
وتشير إلى أن مصر استخدمت أدوات مشابهة في السابق، أبرزها موكب المومياوات الملكية في 2021، الذي لاقى احتفاءً عالميًا واسعًا، وكان بمثابة عرض تاريخي حيّ أكثر تأثيرًا من كثير من المؤتمرات السياسية.
ختامًا… الأنظار إلى الخريف
بين الحلم والواقع، وبين التأجيل والطموح، يبقى المتحف المصري الكبير مشروعًا وطنيًا استثنائيًا يُجسد التاريخ والهوية والحضارة. ووسط أزمات سياسية واقتصادية إقليمية، تُراهن الدولة المصرية على أن يكون افتتاحه المنتظر في الخريف حدثًا يلفت أنظار العالم، كما علّق أحد المواطنين قائلاً:
“لسنا في عجلة من أمرنا، نريد لحظة يقف فيها العالم ليرى مجد حضارة عمرها آلاف السنين.”
اقرأ أيضا:
استعدادا لافتتاح المتحف المصري الكبير.. اجتماع تنسيقي لوزير السياحة والآثار ورئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة
المتحف المصري الكبير يستقبل ٤٢ قطعة خشبية من مركب خوفو الثانية
المتحف المصري الكبير يستقبل رئيس جزر القمر ووزيرة التعليم اليابانية في زيارتين رفيعتي المستوى