سرير بمترين مربعين فقط: كيف غيّرت فنادق الكبسولة مشهد الإقامة في اليابان؟

حلول متطرفة وإبداع معماري.. اليابان تعيد تعريف السكن في المدن الكبرى

0 45

 

كتبت:سارة غنيم
كبسولات السكن في اليابان: ابتكار معماري بين الضرورة والرمزية

دفعت الكثافة السكانية الهائلة في المدن اليابانية الكبرى مثل طوكيو وأوساكا إلى البحث عن حلول سكنية مبتكرة، كان أبرزها فنادق الكبسولة. هذه الوحدات الصغيرة، التي لا تتجاوز في مساحتها حجم السرير،

تُرص داخل مبانٍ تشبه خلايا النحل، وتوفّر للمقيمين الأساسيات فقط: مكانًا للنوم ومساحة محدودة لتخزين المتعلقات، وذلك بتكلفة منخفضة وكفاءة مكانية عالية.

ظهر هذا المفهوم في أواخر السبعينيات لتلبية احتياجات العمال والركاب الذين يجدون صعوبة في العودة إلى منازلهم بعد ساعات العمل الطويلة.

واليوم، باتت هذه الكبسولات رمزًا للحياة الحضرية اليابانية، تجمع بين البساطة والبراغماتية والقدرة على التكيف مع واقع المساحات الضيقة.

الجذور التاريخية والاقتصادية

ترجع أصول كبسولات السكن إلى فترة النمو الاقتصادي السريع لليابان في الستينيات والسبعينيات، حين ارتفع الطلب على المساكن في المدن الكبرى بشكل غير مسبوق.

ضمن هذا السياق، قدّم المعماريون المنتمون لحركة التمثيل الغذائي (Metabolism) أفكارًا راديكالية حول مبانٍ مكوّنة من وحدات معيارية مسبقة الصنع يمكن استبدالها وتطويرها باستمرار، في محاولة لخلق عمارة تتكيف مع احتياجات العصر مثل الكائنات الحية.

برج ناكاجين الكبسولي: تجربة رائدة

يُعد برج ناكاجين الكبسولي في طوكيو (1972)، من تصميم كيشو كوروكاوا، واحدًا من أبرز تجارب هذه الحركة.

تألف المبنى من برجين أساسيين رُكبت عليهما 140 كبسولة سكنية جاهزة،

تبلغ مساحة الواحدة منها نحو 10 أمتار مربعة، مزودة بسرير وحمام صغير ونافذة دائرية.

الفكرة كانت أن تُستبدل الكبسولات دوريًا للحفاظ على المبنى “حيًا”، لكن الصعوبات التقنية حالت دون ذلك، ومع مرور الوقت تدهورت حالته حتى تقرر هدمه.

ولادة فنادق الكبسولة

رغم فشل تجربة البرج، فإن الفكرة لم تُدفن. ففي عام 1979، صمّم كوروكاوا نفسه أول فندق كبسولة في أوساكا (Capsule Inn Osaka)، ليوفّر مأوى مؤقتًا للعمال والركاب بتكلفة زهيدة.

تتألف هذه الفنادق من كبسولات ضيقة (2 متر طول × 1 متر عرض × 1.2 متر ارتفاع تقريبًا)، مجهزة بسرير صغير ومصباح ومنافذ كهرباء وتلفاز أحيانًا، بينما تُستخدم الحمامات والخزائن بشكل مشترك.

الأسعار المنخفضة (ما بين 2000 و5000 ين، أي 10–30 يورو لليلة) جعلت التجربة شديدة الجاذبية، قبل أن تتحول لاحقًا إلى مقصد سياحي وتجربة ثقافية، حيث جرى تطوير تصاميم عصرية مع إضاءة LED وطابع مستقبلي لجذب المسافرين.

البُعد الثقافي والنفسي

تثير فنادق الكبسولة جدلاً متباينًا: فبينما يعتبرها البعض رمزًا للعزلة الحضرية وضغط الحياة في المدن الكبرى، يراها آخرون مساحة شخصية آمنة تمنح إحساسًا بالخصوصية في بيئة مزدحمة.

وبغض النظر عن التفسيرات، فإن هذه الكبسولات تعكس الروح البراغماتية اليابانية، التي استطاعت تحويل معضلات مثل نقص المساحة والإرهاق اليومي والعزلة الاجتماعية إلى صيغة معمارية مبتكرة، تجمع بين الضرورة والهوية الثقافية.

🔹 الخلاصة:

ما بدأ كحل عملي لأزمة الإسكان بات اليوم جزءًا من صورة اليابان العالمية، حيث تحوّلت الكبسولات من مأوى مؤقت للعمال إلى تجربة معمارية وثقافية تثير فضول السياح وتعكس فلسفة التوازن بين الحداثة والقيود المكانية.

اقرأ أيضا:
اكتشاف ياباني قد يعيد تشكيل فهمنا لنشأة الأرض: الهيليوم البدائي محاصر في قلب الكوكب
ابتكار جديد يغير مفهوم النظافة الشخصية.”الغسالة البشرية” ابتكار ياباني يتيح الاستحمام والتجفيف في 15 دقيقة 

Visited 4 times, 4 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق