مثقفون عرب يتحدثون لـ«الجمهورية والعالم »: الكتابة في زمن التحولات والقلق الإنساني

كتّاب عرب يفتحون نوافذ 2025: الثقافة بين أسئلة الوجود وضجيج العالم الرقمي

0 64

في عالم تتسارع فيه التحولات السياسية والاجتماعية، وتتراجع فيه مكانة الكتاب لصالح منصات التواصل وضجيج الصورة، يظل صوت المثقف شاهدًا على العصر، ومرآةً دقيقة لأسئلة الإنسان وقلقه الوجودي.

ضمن هذا السياق، أجرت جريدة الجمهورية والعالم حوارًا سريعًا مع نخبة من الكتّاب والمثقفين العرب من مصر وسوريا والمغرب، حول حصاد عام 2025، وأبرز الشخصيات المؤثرة، والكتب التي تركت أثرًا، ودور الكاتب اليوم، وأحلام العام القادم.

حوارات تكشف عن تباين الرؤى، وتلتقي عند همٍّ إنساني وثقافي مشترك، بين واقع عربي مأزوم، وأمل لا ينطفئ في قوة الكلمة وقدرتها على البقاء.

أجرى الحوار: الناقد خالد محمود

يوسف هريمة: الوجودية والدين وأسئلة الإنسان في زمن السيولة الثقافية

أمل درويش: الكاتب بوصلة المجتمع… والنقد شغف لا يغيب

فاديا عيسى قراجه: في الشرق التعس… لا يبدع الكاتب إلا إذا هاجر

آمال الشاذلي: الكتابة ليست دورًا… بل عدسة صادقة لما يغفله المؤرخون.

علاء الدين قسول: صلحٌ مع الشعر… والبحث عن الروح خلف الستار.

رشيدة الدبيش: التأثير كخبرة معرفية… والكتابة حراسةٌ للمعنى في زمن التحوّلات

 

يوسف هريمة | باحث وكاتب مغربي مهتم بالشأن الديني والثقافي والفكري

من أبرز الشخصيات الفنية أو الأدبية التي أثرت فيك هذا العام؟

مر عام ومرت معه شخصيات كثيرة نساء ورجالا، ولا يمكن أن نتحدث عن التأثير بقدر ما يمكن الحديث عن التبادل والمشاركة، ومن بين الشخصيات التي كتبت عنها واشتبكت مع أفكارها نجد العديد من الفلاسفة الوجوديين، خاصة كييركيغارد الفيلسوف الذي رفض اسم الفيلسوف، والشخصية التي طلب أن يكتبوا على قبره اسم ذلك الفرد، ربما لأنه متفرد في نظرته الوجودية حيث مزج بين شيئين من الصعب الدمج بينهما ” الوجودية والدين “, وربما لأنه رأى في الأسماء مجرد عناوين لا تحمل ولا تعبّر عن قيمتنا الإنسانية، بقدر ما هي إشارات إلى وضعية داخل منظومة اجتماعية معينة.

ومن بين الشخصيات أيضا تلك الأسماء الوجودية التي أعلنت عن تفاهة الوجود ولا معقوليته، وعلى قمتهم سارتر وكامو، شخصيات حاولت أن تموضع الكائن الإنساني في إطاره الزماني والمكاني، لكن دون أن تسلب منه حريته، أو مصدر كينونته، فحاولت بذلك أن تنقذنا من اللاهوت الديني والسياسي، وربما حاولت أن تنقذنا من ذواتنا، حين نعلق فشلنا وأخطاءنا على أشياء خارجية.

أما في السياق الإسلامي فيبقى عبد الرزاق الجبران من أبرز الشخصيات المثيرة للجدل والنقاش، شخصية بعيدة على الأضواء، ولكن قريبة من روح الفكر والأدب والتأمل، شخصية تحاول أن تنقذ اليوتوبيا الإسلامية، أو القيم الوجودية من قبضة الفقهاء، وضيق الكهنوت، لكن بأسلوب شذري بحمولة نقدية كبيرة تحتاج إلى أن تترسخ أكثر فأكثر داخل سياقاتنا الاجتماعية.

ما أهم إنجاز حققته في 2025؟

حينما نقول الشيء المنجز فإن ذلك يدل على الكمال والإنهاء، لهذا يفضل أن نقول الأعمال، وهنا ف سنة 2025 كانت حافلة بالأبحاث والدراسات والمنشورات، خاصة تلك التي تسهر على نشرها مؤسسة تكوين الفكر العربي.

أعمال يمكن لكل واحد منها أن يمثل مشروع كتاب، أو مشروع دراسة وبحث، وأنا سعيد بما تم بحثه ونشره لحدود اللحظة، متمنيا أن يستمر العمل على نفس المنوال في السنة القادمة إن بقي لنا مجالا للعيش والحياة.

أي كتاب قرأت هذا العام ترك أثرًا فيك؟

هناك العديد من الكتب التي تقرؤها وتترك فيها أثرا طيبا، فإما تدفعك للتفكير، وإما تكون فرصة للاطلاع أكثر على جوانب موضوع يحتاج إلى النفاذ إليه بصبر وأناة، ولعل أهم الكتب التي تحضرني عناوينها هذه السنة:

جمهورية الله لعبد الرزاق الجبران

انقلاب المعبد عبد الرزاق الجبران

المعنى والغضب في فلسفة سيوران

المتعصبون برنار شوفييه

الأبوكاليبس المعرفي جيرالد برونر

آلهة في مطبخ التاريخ لجمال علي الحلاق

مسلمة الحنفي قراءة في تاريخ محرم لجمال علي الحلاق

بوح السرد لجمال علي الحلاق.

كيف ترى دور الكاتب أو المثقف اليوم؟

بالنسبة لي الكاتب أو المثقف هما فاعلان من فاعلين كثيرين داخل الحقل الاجتماعي والثقافي، ولكن ليسا هما من يؤثران في النسق الاجتماعي المعاصر لاعتبارات متعددة، وهو أن أدوات الاشتغال التي يشتغل بهما الكاتب أو المثقف في صيغته المعاصرة ليست لديها القدرة على التأثير المباشر في فئات عريضة من الناس، خاصة تلك التي ولدت في الألفية الثالثة، حيث ولدت في نسق آخر ليس هو نسق الكتاب، أو المعرفة، أو العلم، ولكن سياق مواقع التواصل الاجتماعي، وفضاءات التأثير الرقمي، والسيولة الثقافية والفكرية.

وبالتالي من وجهة نظري دور الكاتب أو المثقف اليوم هو دور فاعل، ولكن ليس بمؤثر، بل محدود في الزمان، خاصة مع اتساع الهوة الرقمية، وهذا لا يعني التخلي عن الكتابة، لأنها في نهاية المطاف وسيلة من وسائل التنوير، والمشاركة، وتنمية الحس التأملي والنقدي لدى الإنسان.

ولكن في الوقت نفسه ينبغي أيضا إيجاد بدائل للكتابة تستهدف الأجيال الجديدة، كانخراط الكتاب والمثقفين في الكتابة الشذرية، وكتابة المقالات القصيرة أو البوستات داخل الفضاءات الرقمية.

ما أمنيتك للعام القادم؟

أمنيتي من طبيعة الحال كأي إنسان يعيش في تحولات أبعدتنا عن إنسانيتنا، أن نعود أو نستعيد هذه الإنسانية التائهة في ردهات الحروب وتعاسة هذا النظام العالمي. وكل عام وأنتم بألف خير.

اقرأ أيضا:الآبائية والكهنوت في ميزان الفكر الحديث: حوار مع الكاتب المغربي يوسف هريمة 

فاديا عيسى قراجه | كاتبة – سوريا

فاديا عيسى قراجه

حول الشخصية الأدبية الأكثر تأثيرًا في كتاباتها هذا العام، تؤكد فاديا عيسى قراجه أن الكاتب الذي ما زال يسكن نصوصها قديمًا وحديثًا هو زكريا تامر، لما يتميز به إبداعه من بساطة عميقة تغوص في العمق العربي والسوري المهمّش.

وعن أبرز ما أنجزته في عام 2025، تشير إلى انشغالها بكتابة رواية عن الوجع السوري الذي خلّفته الحروب العبثية، إضافة إلى مشاركتها في مسابقة عربية لم يُكتب لها الفوز.

أما الكتاب الذي ترك أثرًا في وجدانها هذا العام، فتختار ثلاثية غرناطة للراحلة رضوى عاشور.

وبخصوص دور الكاتب أو المثقف اليوم، ترى أن الواقع العربي لا يمنح المثقف دورًا حقيقيًا، معتبرة أن الإبداع غالبًا ما لا يزدهر إلا في فضاءات الهجرة.

وعن أمنيتها للعام القادم، تتمنى أن ينجح المبدع العربي في كتابة تغريبته بحرية ودون خوف.

آمال الشاذلي | كاتبة – مصر

عضو اتحاد الكتاب – عضو نادي القصة

آمال الشاذلي

عن أبرز الشخصيات الفنية والأدبية التي أثرت فيها هذا العام، تقول آمال الشاذلي إن الفنان محمد عبلة كان الأبرز، بعد أن شاهدته في حالة تماهٍ كاملة مع أدواته، يعيد تشكيل العالم بأنامله وألوانه، كعابد متعبد في محراب الفن.

وبشأن أهم إنجازاتها خلال عام 2025، تشير إلى صدور روايتها الثانية عشرة “العالقون”، مؤكدة أن الولادات الإبداعية المتأخرة تظل الأكثر قسوة.

أما عن الكتاب الذي ترك أثرًا فيها هذا العام، فتختار كتاب أحمد تيمور عن الأمثال الشعبية، معتبرة أن الأمثال تمثل تحليلًا عميقًا للنفس البشرية في علاقتها بالخوف والسلطة والمجهول.

وحول دور الكاتب أو المثقف اليوم، ترى أن الكاتب ليس مطالبًا بأداء دور مباشر، ويكفي أن يسلط مجهره على العالم المحيط به، فيرصد ويحلل ويصوغ الحياة في كلمات صادقة لا تحكمها الحسابات.

وعن أمنياتها للعام القادم، تتمنى حدوث طفرة حقيقية في اقتصاد البلاد، وتحويل نصف كافيهات مصر إلى مكتبات ونوادٍ ثقافية، والقضاء تمامًا على المخدرات.

أمل درويش | كاتبة وناقدة – مصر

عن أبرز الشخصيات الفنية والأدبية التي أثرت في تجربتها هذا العام، ترى أمل درويش أن الكاتب لا يتأثر بشخص واحد، بل بمجموع ما يقرأه ويشاهده ويعيشه. وتشير إلى أنها سعدت بلقاء العديد من المبدعين، وتخص بالذكر الدكتورة وفاء كمالو الناقدة المسرحية المتجددة الفكر، والدكتورة نهال القويسني ذات الثقافة الواسعة والتجربة المتميزة.

وعن أهم إنجازاتها خلال عام 2025، توضح أن النقد طغى على الكتابة الروائية في الفترة الأخيرة، مشيرة إلى صدور كتابها “مداخل أولية إلى عوالم السيد حافظ السردية” بعد فوزه بجائزة مسابقة الأديب أشرف بدير الأدبية.

وبشأن الكتاب الذي ترك أثرًا فيها هذا العام، تختار رواية “تعاريج” للأديب والفنان التشكيلي حسين نوح، التي رصدت تحولات المجتمع المصري في مرحلة دقيقة من تاريخه الحديث.

أما عن دور الكاتب أو المثقف اليوم، فترى أن الكاتب يمتلك بوصلة داخلية حساسة تستشعر الخطر، لكنه يعاني من تراجع شريحة القراء في ظل فوضى وسائل التواصل الاجتماعي.

وحول أمنياتها للعام القادم، تتمنى أن يعود للأدب وهجه، وللأديب مكانته، وأن يستعيد الشارع المصري جماله، وتعود لغة الحوار الراقية بين الناس.

 

رشيدة الدبيش (المغرب – الرباط) شاعرة

صاحبة الدار المغربية العربية للنشر

رؤية تأملية في أثر الفن والمعرفة – 2025

عن التأثيرات الفنية والأدبية هذا العام

ترى الشاعرة رشيدة الدبيش أن سؤال التأثير ليس مرتبطًا بشخصيات محددة بقدر ما يتصل بتجارب فنية ومعرفية متراكمة؛ فالتأثير الحقيقي – من وجهة نظرها – لا يأتي دائمًا من الأسماء، بل من الأعمال الجماعية التي تغيّر طريقة رؤيتنا للإنسان والعالم.

وتشير إلى أنها مرّت خلال هذا العام بتأثرات متعددة يصعب حصرها؛ نصوص قرأتها وفتحت أسئلة أكثر مما قدمت إجابات، وموسيقى وأغاني لأصوات عالية الإحساس شعرت بها بعمق، وأفلام عالمية تابعتها كتجارب فكرية وجمالية لا كمشاهدة عابرة.

وتضيف أنه خلال عام 2025 تفرغت لقراءات ومراجع وأعمال سينمائية ودرامية لها علاقة مباشرة بمشروعها الكتابي حول «أسرار الروح»، لذلك كان التأثير أقرب إلى بحث داخلي وتأمل معرفي عميق، أكثر من كونه إعجابًا بشخص بعينه.

ولا تُخفي إعجابها بالمستوى المتقدم الذي وصلت إليه الدراما العربية، خصوصًا السورية واللبنانية، من حيث عمق النص ونضج الأداء والاشتغال على الإنسان في تعقيداته النفسية والوجودية، معتبرة أن كثيرًا من هذه الأعمال بات يطرح أسئلة لا تقل تأثيرًا عن الأعمال العالمية.

وتخلص إلى أن العمل الفني الحقيقي هو ذاك الذي لا يُستهلك فقط، بل يُفكَّر فيه، ويترك أثره طويلًا بعد انتهاء القراءة أو المشاهدة.

عن أهم إنجازات عام 2025

تفضل الدبيش عدم الإسراف في الحديث عن الإنجازات قبل اكتمالها، لكنها تصف عام 2025 بأنه عام العمل العميق والهادئ. فهي في المراحل الأخيرة من ديوانها الجديد الذي تأمل أن يرى النور قريبًا، وتعتبره مشروعًا يعكس نضج تجربتها في الكتابة الإبداعية والشعر.

كما بدأت هذا العام مشروعها الكتابي الجديد حول «أسرار الروح»، وهو عمل يتطلب تأملًا طويلًا وإعدادًا دقيقًا، وترى فيه خطوة ستنقلها إلى محطة مختلفة في مسيرتها الكتابية.

وتؤكد أنها لا تمتلك إنجازًا مُعلنًا هذا العام، لكنها تمتلك بذور إنجازات قادمة، معتبرة أن ما تعمل عليه اليوم سيشكّل ملامح ما ستقدمه في السنوات المقبلة.

عن الكتب التي تركت أثرًا

توضح أنها قرأت خلال عام 2025 عددًا كبيرًا من الإصدارات الجديدة، وحرصت على مواكبة الحركة الثقافية المعاصرة، لكنها ترى أن الأثر الأعمق غالبًا ما تتركه الكتب المؤسسة التي لا يحدها زمن ولا موسم نشر.

وتشير إلى أن الجديد مهم وضروري، لكن الكتب التي تعيد تشكيل الوعي والأسئلة الأولى تظل المرجع الذي تعود إليه لاختبار المعنى الحقيقي للقراءة. وبين قراءاتها هذا العام أعمال معاصرة لافتة في الشعر والرواية والتنمية البشرية وعلم النفس، جاءت امتدادًا لحوار طويل ما زال مفتوحًا مع الكتب الكلاسيكية التي شكّلت وجدانها الفكري والروحي.

وفي هذا السياق، تشيد بالحراك الفني والثقافي الذي تشهده المؤسسات الثقافية في دول الخليج، لا سيما في قطر والإمارات والسعودية، من حيث جودة الإصدارات، ودعم الترجمة، والجوائز، وبروز جيل سينمائي وموسيقي جديد يعمل بجرأة وموضوعية، معتبرة أن هذا الحراك يعيد للفن والكتاب مكانتهما الإشعاعية في المشهد العربي المعاصر.

عن دور الكاتب أو المثقف اليوم

ترى رشيدة الدبيش أن الكاتب أو المثقف يقف اليوم في منطقة شديدة التعقيد، بين عالم يتغير بسرعة غير مسبوقة، وجمهور تتقلب اهتماماته باستمرار. وتصفه بأنه يسير على حافة زمن مضطرب، يحمل عواصف السرعة والاستهلاك.

وتؤكد أن دوره لم يعد يقتصر على إنتاج المعرفة أو الأدب، بل بات مطالبًا بالوعي العميق بالتحولات التقنية والاجتماعية والسياسية، وبالقدرة على قراءة العالم وتفكيكه، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المعنى وسط ضجيج كثيف.

ورغم التشويش الإعلامي وسرعة الاستهلاك المعرفي، ترى أن دور المثقف لم يفقد ضرورته، بل ازداد أهمية كصوت نقدي ومرشد معنوي ومنتج للمعنى في زمن تتزايد فيه السطحية، فالكاتب – في رأيها – ليس ناقل أفكار فحسب، بل حارس للأسئلة، ومدافع عن العقل والخيال والاختلاف.

وتختتم رؤيتها بالقول إن الكاتب اليوم صانع وعي، يكتب ليبقى للروح مكان في عالم يزداد قسوة ووحشية.

أمنياتها للعام القادم

على الصعيد الشخصي، تتمنى رشيدة الدبيش أن تواصل السير في طريق الكتابة الذي اختارته، وأن تحافظ على شغفها، وأن تطلق ديوانها الجديد، وتستكمل رحلتها التأملية في مشروع «أسرار الروح»، مع قدر أكبر من الصفاء والقدرة على الإصغاء للذات.

أما على الصعيد العام، فتتمنى أن يعيش العالم عامًا أكثر سلامًا وعدلًا، يقل فيه العنف والظلم، وتزدهر فيه الإنسانية، وأن يجد البشر طريقهم إلى التفاهم والأمان والمحبة، وأن ينال كل إنسان فرصته في العيش بكرامة وسعادة واستقرار.

 

علاء الدين قسول (الجزائر) شاعر

الشاعر الجزائري علاء الدين قسول

مقاربة شعرية للتأثير والكتابة – 2025

يرى الشاعر علاء الدين قسول أن التأثير الحقيقي الذي يترسّخ في الذات الإنسانية لا يتوقف عند حدوده الأولى، بل يُنبت أغصانًا جديدة تتفرع في فكر الإنسان الذي تأثّر به.

ومن هذا المنطلق، يجد نفسه قاطفًا لثمار غصن مثقل بالمعنى والحكمة، وهو الأثر الذي تركه البرازيلي باولو كويلو، بما يحمله من نزعة إنسانية وروحية قادرة على ملامسة الداخل.

وعن أهم ما أنجزه خلال عام 2025، يصف قسول تجربته بأنها عقد صلح طويل المدى مع الشعر؛ صلح أعاده إلى جوهر الكتابة الأولى، فكتب، وفاز بإنسانٍ ثانٍ استوطن داخله، وفتح له أفقًا أعمق للتعبير والبوح.

وفيما يتصل بقراءاته، يؤكد أنه ما زال عاكفًا على تتبّع الوهج اللغوي في القرآن الكريم، معتبرًا أن هذا النص المفتوح لا ينفد عطاؤه، وأن كل عام يعلّمه كيف يقرأ الإنسان من خلاله قراءة أكثر عمقًا وتأمّلًا.

وحول واقع الكاتب أو المثقف اليوم، يقدّم رؤية مكثفة وحزينة للدور الثقافي الراهن، إذ يرى الكاتب واقفًا في طابور المقاهي الأدبية، يحدّث المقاعد الفارغة عن حزنه العميق، في إشارة دالّة إلى التهميش والوحدة التي تحاصر الصوت الإبداعي.

أما عن أمنيته للعام القادم، فيتمنى أن يبلغ أحد الشوقين: شوقًا إلى رؤية الوجه الحقيقي للشعر، وشوقًا آخر إلى روحه الكامنة خلف الستار، حيث يلتقي الإبداع بالصدق الداخلي والبحث الوجودي.

——-

هذه الشهادات المتنوعة لكتّاب ومبدعين عرب من مشارب وتجارب مختلفة تكشف عن مشهد ثقافي عربي شديد التعقيد، لكنه لا يخلو من الحيوية والأسئلة العميقة. فعام 2025، كما يراه المشاركون في هذا الملف، لم يكن عامًا للاحتفال بالمنجز بقدر ما كان عامًا للتأمل والعمل الهادئ، ومراجعة المعنى، والبحث عن دور جديد للكاتب والمثقف في عالم تتسارع فيه التحولات وتتبدل فيه أدوات التأثير.

بين من يرى التأثير تجربة معرفية وجمالية تتجاوز الأسماء، ومن يعقد صلحًا وجوديًا مع الكتابة، ومن يراهن على العمل الثقافي طويل النفس، تتقاطع الأصوات حول ضرورة الدفاع عن المعنى، وحراسة السؤال، والإبقاء على مساحة للروح في زمن يزداد صخبًا وقسوة.

ويؤكد هذا التحقيق أن الكتابة، مهما تراجعت دوائر تأثيرها المباشر، تظل فعل مقاومة هادئة ضد النسيان والتسطيح، وأن المثقف الحقيقي هو من يواصل الاشتغال على الإنسان، لا على الظرف، وعلى الجوهر لا على العابر.

في النهاية، تبدو أمنيات المشاركين للعام القادم متشابهة في جوهرها: عالم أكثر سلامًا وعدلًا، وإنسان أكثر قدرة على الإصغاء، وثقافة تستعيد دورها بوصفها فعل حياة، لا ترفًا فكريًا.

تحقيق وحوار: خالد محمود

جريدة الجمهورية والعالم

أقرأ أيضا:
القاصّة فاديا عيسى قراجة لـ«الجمهورية والعالم»: “أضع الرجل والمرأة تحت مجهر كتاباتي، كلاهما ظالم ومظلوم، وكلاهما يلهمان الجمال” 

تعتبر الأدب مرآةً مكبرةً تعكس التفاصيل الدقيقة للمجتمعات .. الجمهورية والعالم تحاور الكاتبة آمال الشاذلي

 

 

Visited 10 times, 10 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق