أميرة هاس… صوت الشجاعة الإنساني في مواجهة المأساة الفلسطينية
من بين جميع الصحفيين الذين تناولوا المأساة الفلسطينية خلال العقود الأخيرة، تبرز الصحفية الإسرائيلية أميرة هاس، الكاتبة البارزة في صحيفة هآرتس، كواحدة من أكثر الأصوات شجاعة وصدقًا في العالم. فهي لم تكتفِ بتغطية معاناة الفلسطينيين في تقاريرها وكتبها الحائزة على جوائز دولية، بل عاشت التجربة بنفسها حين قررت الانتقال للعيش في الضفة الغربية لسنوات طويلة، لتكتب من قلب الحدث وتلامس الواقع اليومي للفلسطينيين.
هذا الخيار جعلها عرضة لهجمات وتهديدات متكررة من المستوطنين اليمينيين والمتطرفين، لكنها لم تتراجع، وظلت شاهدة على واقع الاحتلال ومعاناة الناس الذين يعيشون تحته.
في مقال مؤثر نشرته مؤخرًا في صحيفة هآرتس، تناولت هاس المأساة الإنسانية في قطاع غزة، متحدثة عن الأمل الذي لا يزال بعض الإسرائيليين المتفائلين يتمسكون به، بأن يأتي اليوم الذي يدرك فيه المجتمع الإسرائيلي حجم الفظائع التي ارتُكبت باسمه.
تقول هاس في مقالها:
“يؤمن المتفائلون بأن الإسرائيليين سيفهمون في نهاية المطاف حجم الكارثة التي تسببوا بها في غزة، وأن صور الأطفال الممزقين تحت الركام ستخترق وعيهم. سيأتي يوم يتوقف فيه الناس عن ترديد عبارة: لقد استحقوا ذلك بسبب 7 أكتوبر. سيفهمون أن أكثر من 20 ألف طفل قُتلوا، وأن ربع الجرحى أطفال، وأن ما حدث لم يكن حربًا ضد منظمة، بل ضد شعب بأكمله.”
وتضيف هاس متسائلة:
“هل سيأتي اليوم الذي يسأل فيه الأبناء آباءهم عمّا فعلوه أثناء خدمتهم العسكرية؟ هل أطلقوا النار على رجل مسن فقط لأنه تجاوز خطًا أحمر؟ هل قصف الطيارون المدنيين وهم يعلمون أنهم سيقتلون مئات الأبرياء من أجل هدف عسكري واحد؟ هل ضرب حراس السجون الأسرى حتى الموت أو منعوهم من الطعام والاستحمام؟ وماذا سيقول القضاة لأحفادهم عندما يقرأون أحكامهم التي شرّعت كل ذلك؟”
وترى هاس أن قسوة المجتمع الإسرائيلي ليست فطرية، بل ناتجة عن واقع طويل من السيطرة والاحتلال ومحاولة تبرير الاستيلاء على الأرض والموارد والحقوق الفلسطينية. وتختتم مقالها بعبارة لافتة:
“الناس لا يُولدون قساة، بل يصبحون كذلك. الفلسطينيون قساة لأنهم يقاومون هيمنة خارجية، أما قسوتنا فهي دفاع عن الغنائم التي استولينا عليها. ومع ذلك، ما زال المتفائلون يعتقدون أن هناك طريقًا للعودة… يا لهم من محظوظين.”
المقال، الذي نقلته صحيفة الوحدة الإيطالية L’Unità بترجمة سارة غنيم، يعكس عمق الرؤية الإنسانية والنقد الذاتي الذي تميّزت به أميرة هاس طوال مسيرتها، ويعيد طرح السؤال الأهم:
هل يمكن لمجتمع يعتاد على العنف أن يستعيد إنسانيته؟
اقرأ أيضا:
ترامب يوقّع اتفاق السلام من أجل غزة بمشاركة قادة مصر وتركيا وقطر
يوم “الاثنين الأسود” إيطاليا تتحد في الشوارع: احتجاجات حاشدة وإضرابات عامة تضامنًا مع غزة
إسرائيل توسع هجومها على مدينة غزة وسط نزوح واسع وتوتر دبلوماسي في الأمم المتحدة