اللواء أ ح محمد محمود عمر للجمهورية والعالم: عبدالناصر كان أستاذ مادة الإستراتيجية و شياطين المصريين كبّدوا العدو خسائر فادحة
حوار أجرته د. أمل درويش.
- رأس العش.. تكبيرة الإحرام في صلاة الاستنزاف.
- شياطين المصريين كبّدوا العدو خسائر فادحة.
- عبدالناصر كان أستاذ مادة الاستراتيچية.
بطل من أبطال الصاعقة، ورجل مخابرات تعامل مع اليهود.. رجل حرب من الطراز الأول، ومؤرخ يسجل أحداث ووقائع تاريخية هامة..
كثيرًا ما تجده يظهر في وسائل الإعلام يتحدث عن بطولات الآخرين، وقلما تجده يتحدث عن بطولاته الشخصية ودوره الباسل في حرب الاستنزاف وحرب الكرامة والعزة في ٧٣..
حاورته وحاولت أن أستقي منه بعض التفاصيل عن معاركه وبطولاته الخاصة ولكنه كان دائمًا يذكر بطولات الآخرين ويكتفي بالبقاء بعيدًا عن بقعة الضوء..
ورغم نيته في الابتعاد عن الأضواء والاكتفاء بالعمل في صمت إلا أنه سمح لي بسمو خلقه ورقي أفكاره أن أخترق هذا السياج وأجري معه هذا الحوار الثري بالمعلومات والتفاصيل..
عن سيادة اللواء أركان حرب محمد محمود عمر أتحدث..
-بالبداية نتمنى أن نتعرف على سيادتكم عن قرب..
- محمد عمر مصري عاشق لمصر البهية، من جيل كان على موعد مع قدره، عاش شطراً من الملكية وهتف للقومية العربية، عاصر كل التحولات الحادة والسريعة لفترة الستينيات من القرن الماضى، خاض أربعة حروب متتالية هي في مجموعها عمر شبابه كله.
– متى جاءت فكرة إنتاج سلسلة أفلام رجال من ذهب وما هو الهدف منها؟
- الفكرة كانت تراودني منذ أكثر من 20 عاماً، حينما تأكدت أن تاريخ مصر الحديث بدأ تزويره، ولكن أسلوب التنفيذ هذا ما كنت أفكر فيه لتصل الفكرة إلى القاعدة الكبيرة من الشباب، ولم أجد إلا الميديا كأسلوب لتنفيذ الفكرة. وبدأت التنفيذ منذ 7 سنوات أنتجت خلالها 30 فيلمًا وثائقيًا، وعبر الفيلم نروي أحداث إحدى المعارك التي تمت في الاستنزاف أو أكتوبر، من خلال من نفذوا تلك العملية، ونراعي أن يكون أكثر من بطل ممن اشتركوا فى نفس المعركة هم الرواة حتى لا يكون هناك شك فى رواية قصة المعركة.
وفى خلال تلك الفترة تفرع من تلك السلسلة سلسلتان أخريان، سلسلة “جيش الشمس” وهى تروي كل الأحداث السياسية والعسكرية بدءاً من حرب 1948 والى استرداد طابا 1989، في 10 أفلام وثائقية يتراوح زمن الفيلم حوالي الساعة، أما السلسة الأخيرة فهي سلسلة “نجوم فى سماء الوطن” وهى تتكلم عن السيرة الذاتية للشخصيات التى أثرت فى تاريخ مصر، وقد أُنتج منها فيلم واحد إلى الآن عن الفريق عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني أثناء معركة أكتوبر.
-حدثنا عن البداية والفيلم الأول الشهيد الحي “عبدالجواد سويلم”
- الشهيد الحي أو الجندي مجند عبد الجواد سويلم أعرفه منذ بداية تجنيده وأعرف قصة إصابته التي فقد فيها قدميه الاثنتين بتراً من الفخذ وذراعه اليمنى وعينه اليمنى وجرح بطول 40 سم في الظهر وكان على بعد أكثر من 10 كم شرق القناة وقت إصابته وكنا متأكدين من أنها مسألة لحظات وسوف يلقى ربه ولكن رجولة ووفاء رجال الصاعقة ألا يتركوا جثة زميل لهم استشهد في المعركة خلف خطوط العدو، فضلاً عن إنه ما زال حياً، حلوه وطاروا به عدواً إلى الضفة الغربية، وكانوا فى مكان يسمى برقبة الوزة وهو شريط ضيق جداً بجانب القناة يصعب دخول أية مركبات الى هذا المكان فكان أن حمله أربعة من زملائه على نقالة وخامسهم يحمل زجاجة المحلول وساروا به أكثر من 25 كم تحت قصف العدو الى أن أوصلوه الى مستشفى بورسعيد وكانت المعجزة انه ما زال حياً ثم نقل الى القاهرة وكتب الله له الحياة، وقد زاره فى المشفى الرئيس عبد الناصر وبرفقته الفريق محمد فوزي وزير الحربية، وحينما سأله الرئيس عبدالناصر ماذا يطلب قال: أريد أن أعود الى الجبهة مرة أخرى، نظر إليه الحاضرون بدهشة وتعجب وابتسامة خفيفة على شفاه الرئيس ملتفتاً الى الفريق محمد فوزي وقال له: ” شوف يا فوزي رجالة مصر شهيد حي يطلب العودة الى القتال” واطلق عليه من يومها الشهيد الحي وتحقق طلبه وكان المقاتل الوحيد الذى على مستوى العالم ليدخل معركة 73 وهو بنسبة عجز 100%
-معركة رأس العش..
تحتل أهمية بالغة في تاريخ حرب الاستنزاف.. حدثنا أكثر عنها..
- أسميتها فى الفيلم تكبيرة الإحرام في صلاة الاستنزاف.. هذه المعركة بالذات أثبتت أننا وإن كنا هزمنا فى 67 فإنما تلك ليست بهزيمة لأن إرادة القتال لدى المقاتل المصري لم تنكسر وبالتالي فالمعركة سجال..
معركة رأس العش كانت يوم 30 يونيو 67 ليلة 1 يوليو واستمرت 7 ساعات ورأس العش موقع فى مدخل بور توفيق وهو الموقع الوحيد الذى ظل على الضفة الشرقية لم يُحتل، المعركة كانت بين فصيلة صاعقة قوامها 26 جنديًا بقيادة ملازم حديث التخرج هو الملازم فتحي عبد الله وبين قوة مشاه ميكانيكي تقدر بسرية مدعمة بفصيلة مدرعة وتكبدت تلك القوة خسائر فادحة فى الأرواح والمعدات فانسحبت دون تحقيق أي هدف وبعد ساعات عادت قوة أخرى لمعاودة الهجوم ثم انسحبت بعد وقوع خسائر فادحة فى صفوفها وبقي موقع رأس العش صامداً.
تلك كانت المعركة الأولى بعد هزيمة يونيو 67 ب 17 يوم فقط ، رأس العش بالذات أعد لها فيلمًا منذ 6 سنوات وكل فترة تظهر لي معلومة جديدة فيها..
-اقتحام حصن كواي.. أحد حصون خط بارليف..
أو بالأحرى معركة لسان بور توفيق..
ما هي قصتها؟
وما هي حكاية الكتيبة ٤٣ وبطولاتها في حرب الاستنزاف؟
- معركة لسان بور توفيق والتى تمت يوم 10 يوليو 1969 المبهر فيها أنها كانت فى وضح النهار إذ تمت في الساعة الرابعة وتم العبور إليها بقوارب ذات مواتير، وكانت الصعوبة فيها ارتفاع الأرض عن سطح القناة يقارب 3 أمتار ورغم ذلك لم يتردد الأبطال فى تنفيذ المهمة، وقد قاموا بنسف 3 مواقع حصينة، و5 دبابات، وعادوا بأسير، وكانت خسائر القوة المهاجمة مقاتل واحد استشهد بعد عودته فقد أصيب أثناء القتال وظل الجرح ينزف إلى أن عاد ولقي ربه مستشهدا.
إنهم أئمة البطولة ورهبان الوطنية وفرسان المعجزات.
– تلتقون بأبطال حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر ليحكوا بطولاتهم، نريد اليوم أن نسمع من سيادتكم بعض المعارك التي خضتها بنفسك وكنت بطلًا فيها..
- ربما لست ممن يجيدون الحديث عن أعمالهم، ولكن سوف أذكر واقعة طريفة سجلتها فى مذكرات تحت عنوان “وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى” حدثت فى أحد أيام شهر ديسمبر 69 كنت قد التحقت بمجموعتي الصغيرة على إحدى الوحدات لاتخاذها قاعدة للعبور وعمل إغارة على إحدى وحدات العدو في العمق، ولسبب ما أوقفت العملية لحين صدور أوامر أخرى مع استمرارنا في التواجد بتلك الوحدة، في تلك الليلة، قررت أن أستحم وحصلت على صفيحة ماء بارد وذهبت الى نقطة خلف الموقع وما إن بدأت فى الاستحمام إلا ووجدت أحد الجنود يناديني من خلف الساتر ويقول قائد الوحدة على التليفون لأمر هام وناولني التليفون، فطلب مني إطلاق طلقتين من مدفع الهاون على قول “طابور” من سيارات العدو فى منطقة معينة على الضفة الشرقية بمحاذة القناة، تبعد حوال 2.5كم حاولت افهامه أن هذا النوع من المدافع غير مخصص للضرب على أهداف متحركة، فصمم على تنفيذ الأمر، فناديت على الجندي وأعطيته التليفون وقلت له بلغ حكمدار المدفع بأن يطلق طلقتين دون توجيه “عميانى” ثم يبلغ قائد الوحدة بتمام التنفيذ، انتهيت من الحمام وكنت فى حالة انتعاش في ذلك الجو البارد وشعرت برغبتي فى كوب من الشاي الساخن، بعد أول رشفة جاء تليفون من القائد: “مبروك يابطل دمرت أكثر من 5 عربات كانت محملة بالذخيرة”، وضعت سماعة التليفون وأنا أبتسم وأقول سبحان الله وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، وأصبحت بطل بالصدفة.
على فكرة كان هناك شعار فى هذا الوقت يقول إما النصر أو الشهادة وكنت دائما أقول لجنودي: إما النصر أو النصر ، فلا يفيدني موتك أريدك بجانبي يداً تقاتل.
-هل شكلت طبيعة سيناء الجبلية إعاقة للجيش المصري؟
وهل إمدادات أمريكا ومساعداتها لإسرائيل غيرت الحسابات؟
- طبيعة سيناء نحن المقاتلين نعرفها جيداً ونعرف مسالكها ودروبها وكنا نستغلها الاستغلال الأمثل وهناك مجموعات طوال حرب الاستنزاف كانت تمكث داخل سيناء وخلف خطوط العدو بالشهور الطويلة تقاتل ثم تنسحب الى الكهوف فى الجبال حتى أسماهم العدو شياطين المصريين..
بالنسبة لإمدادات أمريكا لإسرائيل بالسلاح فالعبرة ليست بالسلاح ولكن باليد التى تمسك السلاح، ولو قارنا ما في أيدينا من سلاح قبل 73 وما فى أيدي الصهاينة من أحدث ترسانة أسلحة في العالم ما حاربنا.
لقد كانت الميج 17 و 19 وهي من مخلفات الحرب العالمية الثانية تواجه الفانتوم والسكاي هوك وتسقطها..
-هل عبدالناصر كان رجل حرب؟ أم سياسي وزعيم بالدرجة الأولى؟
- عبد الناصر كان له فكر استراتيجي لا أحد ينكر هذا حتى إنه كان أستاذ مادة الاستراتيجية فى كلية القادة والأركان، وكذلك كان يمتلك كاريزما الزعامة..
عبد الناصر له إنجازاته كما كانت له إخفاقاته الكبيرة فقد غاب عن فكره تبصره بمدى التأثير المستقبلي على كل القرارات التى اتخذها والتي نعيش الآن آثارها المؤلمة.
-جميعنا نعرف الفنان لطفي لبيب كممثل وفنان أضحكنا من القلب بأدواره المختلفة، عدى دور واحد لم نره فيه..
فمن هو المقاتل لطفي؟
- الفنان لطفي لبيب هذا الرجل الضاحك، الكل يعرف إنه فنان، ولكن فى الواقع كان أحد الأبطال الذين اشتركوا في معركة أكتوبر 1973 ، شأنه فى ذلك شأن كل أبناء هذا الجيل الذين أنهوا دراستهم وجندوا في الجيش، ولكن معرفتي الشخصية بالأستاذ لطفى أقول، هو إنسان صافي القلب نقي السريرة، على درجة عالية من الثقافة، وأنا شخصياً دائماً ما أسعد بصحبته، وأستمتع بالحوار معه.
بالنهاية نتقدم بوافر الشكر والامتنان لسيادتكم على هذا الحديث الثري بالمعلومات.
التعليقات متوقفه