حوار خاص مع الكاتب المبدع والمخرج المتألق السيد حافظ
أجرته د. أمل درويش
المصريون منذ فجر التاريخ ليس لهم عقيدة ثابتة.
ورثنا چينات العبودية على مدى ٧٠٠٠ سنة.
يزول البشر ويبقى الورق.
لقاؤنا اليوم مع كاتب بدرجة سفير للحروف، حمل حقيبته الأدبية وتنقل بها من شاطئ عروس البحر الأبيض “الإسكندرية” إلي شاطئ الخليج العربي وتحديدًا في الكويت ومنها إلي العديد من المحافل الدولية.
لن تتسع الصفحات لو بدأنا بسرد أعماله التي تتميز بالعمق والرؤية العبقرية للماضي وما أرخت بظلاله علي الحاضر والمستقبل، حيث يتنقل بسلاسة وثقل ما بين الصحافة والأدب والإخراج بنفس، فتحتار أيها كان إبداعه فيها أكثر.
ما بين روايات ومسرحيات للكبار وأخري للأطفال ومسلسلات إذاعية وتليفزيونية في مصر والكويت، بالإضافة لإخراجه العديد من المسرحيات، لا نملك سوى أن نصفه موسوعة أدبية زاخرة بأبه الصور .
وثق حافظ كل هذه الإبداعات في مدونة إلكترونية خاصة بأعماله، لتسهيل وصول القارئ إليها دون عناء، وتماشيًا مع تقنيات العصر الحديث، حيث شارك في العديد من المهرجانات في كثير من الدول العربية، وحصد الجوائز والتكريمات.
بعيدًا عن الأسئلة التقليدية والسؤال عن البدايات وإرهاصات الإبداع التي نمت وربت وصارت وارفة الظلال.. كيف تقيم تلك الرحلة المليئة بالإشراقات، وهل وصلتم لما تمنيت وخططت؟
أعتقد أني كنت أحاول أن أجد الكلمة الخبر، الكلمة النور، الكلمة الوعي، الكلمة العدل .. حاولت في مدة تمتد أكثر من خمسين عاما في كتابات مختلفة بوسائل مختلفة كالمسرح والتليفزيون والإذاعة والصحافة والرواية والقصة القصيرة؛ لكن الناس التي تحتاج إلي كوب لبن في الصباح ورغيف خبز في الظهر وحفنة أرز في المساء لا تعرف القراءة، ولا تهتم بالقراءة ولا الكتابة ولا تهتم بالكتب ولا تهتم بالإبداع .
الشعوب الفقيرة محاصرة بحلمها حلم الحرية، حلم العدالة، حلم الخير، الصحة، التعليم، حرية الرأي، حرية القراءة والكتابة، فالشعب الذي أغلبه يعاني من الأمية الأبجدية والأمية الثقافية يصبح حلم الكاتب فيه نوعًا من الجنون، نعم أنا مارستُ الجنون لأني منفصلٌ عن شعب جائع.. شعبي العظيم الفقير، شعبي العظيم الذي يحلم بالعدالة، الذي يثق بعضه بعضا ويقتل بعضه بعضا لأنه يحتاج إلى الحياة.
تزامن التطور التقني ظهور العالم الرقمي، واستبدل البعض الكتاب الورقي بالكتاب الرقميpdf ..هل تعتبر ذلك خدم الكُتًاب أم أضر بهم ؟
ظهور العالم الرقمي واستبداله للورقي أعتبرها مرحلة تمت وستبقي ولكن سيظل الكتاب الورقي كما هو، له نفس الرونق؛ فالورق يحمل تاريخ الأمم، وما زلنا نتذكر ما حدث منذ حوالي خمسة عشر سنة “ڤيروس تشيرنوبيل”، وهو أول ڤيروس إلكتروني، الذي دمر كثير من مكتبات الانترنت والوثائق التي تقدر بالمليارات، ومن ضمنها الكثير من أعمالي على جهاز الحاسوب خاصتي..
لذلك مشكلة الحفظ الرقمي أنها مهددة بأي ڤيروس يدمرها، بينما الحفظ الورقي يعد وسيلة آمنة، وعلى سبيل المثال نجد أوراق البردي حفظت لنا تاريخ الفراعنة، والفلاح الفصيح وهي التي عرفتنا بموضوع التعبير الذي كتبه طالب المدرسة عن أحمس، ونستخلص من ذلك أن الأوراق تبقى لمئات السنين، يزول البشر ويبقى الورق.
مثال آخر الصندوق الذي احتوي ١٢٠ عملًا لشكسبير وُجد بعد مئة عام من وفاته، لنعرف منها أهم مسرحيات شكسبير التي لولا اكتشاف هذا الصندوق لما عرفنا شيئًا عن شكسبير، ليصبح بعدها من أشهر كتاب العالم في الأدب.
وسوف يبقى الورق هو الأساس حتى وإن لجأ الجميع إلى العالم الرقمي، فعلي الأقل سوف يوجد من كل عمل عدة نسخ ورقية لحفظه.
منذ بداية العام ٢٠٢٠ ونحن نحصد ثمار ما زرعناه من كراهية وتفرقة عنصرية وغيرها الكثير مما أهدرناه من أوقاتنا فيما لا يستحق.. كيف سيكون حال العالم بعد مرور هذه الأزمة وهل سنعي جميعًا الدرس ونبدأ خطواتنا نحو التغيير أم أننا ما زلنا نحتاج لهزة أقوى؟!
أعتقد أننا دولة منقسمة على نفسها منذ فجر التاريخ ، نتوحد وننقسم، فمنذ صراع أوزوريس مع أخيه ست، انقسمت البلاد بعد جريمة ست حين قتل أوزوريس فأصبح ابنه حورس يحكم الجنوب وحَكَمَ ست الشمال وانقسمت البلاد لقسمين.
بعد ذلك نجد انقسام مصر متواجدًا على مدار التاريخ الفرعوني، يأتي أحد الحكام فيضم مصر تحت حكمه فترة لعدة سنوات ثم تنقسم وهكذا ظل التاريخ المصري منذ الفراعنة، فنجدها تنقسم في عهد المماليك إلي المماليك البحرية والقبلية، وكذلك أيام الرومان وغيرها.. تتوحد في عهد حاكم ثم بعد وفاته تنفصل، على ذلك الحال منذ فجر التاريخ.. ولكننا أساتذة في تزوير التاريخ 7 آلاف سنة نزور التاريخ.
ليس حقيقيًا أننا كنا أمة واحدة بل تجزأنا وتوحدنا مراتٍ عديدةٍ وهذه مشكلة كبرى لدينا، فمسألة المصائب أو الأوبئة أو الهزات والسقطات التاريخية تحدث، لكن المصريين لا يتعلمون للأسف منها؛ فماذا حدث بعد ١٩٤٨ بعد اجتياح وباء الكوليرا لمصر؟
ظل المجتمع المصري يقدم أعمالًا فنية هابطة ساذجة ليست لها قيمة، وانتشر مسرح الكباريه، وظلت الأوضاع على غير ما يرام، أما الإنقسام السياسي والانقسام الاجتماعي والفكري فهو أمر طبيعي، لأن المصريين منذ فجر التاريخ ليس لهم عقيدة ثابتة فمثلًا: ليلة مقتل إخناتون كان المصريون يعبدون ٤٢ إله، وإخناتون وحَّدَهم علي عبادة إله واحد هو الإله آتون.
ولكن ليلة مقتل إخناتون وانتصار حور محب بمساندة رجال الدين “الكهنة” والجيش عاد المصريون لعبادة هذه الآلهة المختلفة مثل ” الجعران، زهرة اللوتس، نبات البصل، القط وغيرها”
ونجد أيضًا عند دخول الفاطميين إلي مصر وزّع المعز لدين الله الفاطمي والعزيز ٤ مليون دينار ذهب في الشوارع، فتحولوا من سنة إلي شيعة في ليلة واحدة إلا قلة قليلة بقيت علي مذهبها علي استحياء وفي الخفاء، حتي جاء صلاح الدين الأيوبي بعد ٢٢٠ عامًا، وقام بانقلاب علي الأسرة الفاطمية وذبحهم، وذبح من الشيعة حوالي ٣٠ ويقال ٣٦ ألفًا وهم يصلون في المساجد، فتحول باقي الشعب في ليلة واحدة إلى المذهب السني.
وفي العصر الحديث أقام عبدالناصر الاشتراكية، فكانت أغلب الناس تدخل الاتحاد الاشتراكي وتؤمن بالاشتراكية، وعندما جاء السادات بالانفتاح انقلب الناس للانفتاح وتوجهوا نحو أمريكا.
نحن نعشق القوي، وعلى مبدأ القوي نسير، وهذا ليس عيبًا ولكنها چينات تكونت بحكم القهر، نحن أمة ورثت العبودية ٧٠٠٠ سنة لا تتخلص منها بسهولة.
التعليقات متوقفه