“رسالة إلى وزارة الأوقاف: أين السكينة في بيوت الله؟”
"خطبة الجمعة بين قدسية المعنى وفوضى المكبرات"
كتب : محمد غنيم
من الظواهر العجيبة التي تستدعي وقفة جادة وتأملًا عميقًا، بل وربما ردًا واضحًا من وزارة الأوقاف، أن تجد في شارع واحد ثلاثة مساجد متقاربة، تعلو كل مئذنة منها أربعة مكبرات صوت، وكأن المنافسة في حجم الصوت لا في عمق الرسالة.
وحين تجلس في أحد هذه المساجد لأداء صلاة الجمعة، يفاجئك تداخل الأصوات من كل اتجاه؛ هذا مسجد بدأ الصلاة، وذاك لا يزال خطيبه يعظ، فتضيع الكلمات وتغيب المعاني، وتتحول السكينة المرجوة إلى ضجيجٍ أشبه بسوقٍ صاخب، لا يُسمع فيه لا صوت العقل ولا صدى القلب.
النتيجة؟ صداع في الرأس، وتشوّه في جوهر الخطبة، وغياب لهدفها الأسمى.
وهنا يبرز سؤال مهم نطرحه على السادة العلماء والفقهاء في الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف:
هل من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن تُرفع الخطبة عبر مكبرات الصوت حتى تتداخل وتتنازع، أم أن المقصود هو أن تصل الكلمة لمن في المسجد، لا لمن في الشارع؟
لقد كان صوت النبي عليه الصلاة والسلام يصل إلى قلوب أصحابه بلا تقنية، لأنه كان يخاطب الوعي لا الأذن فقط، ويزرع المعنى لا الضجيج. فهل آن لنا أن نعيد النظر في هذه الممارسات التي تُفرغ الخطبة من روحها، وتُبدّد رسالة الجمعة في زحام الأصوات؟
إن قدسية الخطاب لا تقاس بمقدار الصوت، بل بصفاء المعنى، وسكينة النفس، وهدوء يُمكّن المستمع من التأمل لا التشوش. فلنعد للمسجد هيبته، وللخطبة وقارها، وللعبادة طمأنينتها.
اقرأ أيضا للكاتب:
الانشغال بالمظاهر وتجاهل الجوهر: أزمة المجتمع العربي والإسلامي في مسار التقدم
التعليقات متوقفه