” جريدة الجمهورية والعالم ” تحاور الشاعرة والاديبة اللبنانية نسرين بلوط

نسرين بلوط :الظلم قائم، والسياسة ما زالت ترتبط بالدين كظلٍّ لها

0 1٬705

حاورتها بريجيت محمد

فازت بالجائزة الاولى عن كل مدارس لبنان في مسابقة نظمتها رابطة لابلياد في لبنان  عام 1993. واشترك فيها ما يقارب المئة وستون مدرسة رسمية وخاصة. لها من الشعر ثلاث دواوين: “أرجوان الشاطئ” صادر عن دار لبنان للطباعة والنشر عام 2010، “ورؤيا في بحر الشوق “صادر عن الجزائر عام 2011، “ومهربة كلماتي إليك” صادر عن دار مكتبة التراث الأدبي 2013، بالإضافة إلى كتابة الروايات والقصص القصيرة. تخرجت من جامعة أتاوا الكندية سنة 2002. صدرت لها عن دار سما للطباعة والنشر رواية بعنوان “مساؤك ألم “ورواية بعنوان الخطيئة.
هاجرت إلى كندا فترة وكتبت في عدة مجلات وجرائد اغترابية مثل جريدة المهاجر والمغترب وغيرها. عادت إلى لبنان عام 2003. عضو في اتحاد الكتاب اللبنانيين في لبنان. تكتب في عدد من المجلات والجرائد الورقية والالكترونية.

نسرين بلوط كاتبة لبنانية متميزة في أفق الإبداع وشاعرة مرهفة تتصف بإسلوبها المميز وتعرف كيف تطوع المعنى لألفاظها ولا تترك للقارئ فرصة للهرب من فتنة سردها في كتاباتها القصصية، تجتمع فيها عدة مواهب، و قد صدر لها حديثا رواية «سرير الغجري» ضمن منشورات دار مدارك .
التقيناها في حوار حصري لجريدة الجمهورية والعالم حول رحلتها مع الكتابة، وتجربتها في الشعر والقصة ، وموضوعات ثقافية أخرى وكان لنا معها هذا الحوار الممتع:

رواية ((«سرير الغجري»)) لماذا اخترت هذا العنوان ؟ وهل للعنوان تأثير في داخلك ؟

“سرير الغجري” جاء عنواناً لاحتداماتٍ تتكدّس في قعر التاريخ، حيث تتربّع وسادة الذكريات والآلام والخطايا، يختصرُ سلالات الحكم التي تعاقبت منذ بدء البشرية، حيث احتلّ السريرُ المنزلة الأولى في هاجس العبور، وقد قال الأديب البرتغالي أنطونيو بيسوا “لن يساعدك النوم إذا كانت روحك هي التي تؤرقك”، وفي الرواية الأرواح هائمة لا تنام، متطايرة بالشرر المستبين، منها من ظلم ومنها من غفل ومن عشق ومن رحل، لوركا هو الراوي والمسيّر للأحداث على مجذاف التساؤلات المبهمة، والإسقاطات الحاضرة، هو الغجري الهائم، والشاعر الحالم والعاشق الباحث عن هويته، يرتحل مع الغجر، ويسلب لبّه ضوء القمر يسيل أحلاماً وردية على شرفة نبضه، وهو القائل:”أنا الظلُّ الهائل لروحي”، وقد فصلوه عن الحياة ولم يستطيعوا فصله عن العشق في تغريدات شعره، وفي هذا قال جلال الدين الرومي:”الوداع لا يقع إلا لمن يعشق بعينيه، أما ذاك الذي يحب بروحه وقلبه فلا ثمة انفصال أبداً”.

ما هي أهم الأعمال التي قد ساهمت فى تكوين رؤيتك الفكرية و الأدبية ، وهل تكونت لديك رؤية واضحة لمشروعك الفكرى و الأدبي؟

لا يمكن حصر السجيّة الفكرية للكاتب والومضة الخفية التي ترسم عالم روايته بتأثّرٍ حصريّ بأيّ نوع من الأعمال الأدبية، فالقراءة تحفر في العمق الإنساني بذور المعرفة والتنوير، وبالتالي تساهم بشكلٍ كبير في توسيع آفاق المدى الفكري لدى الكاتب، وقراءتي للعديد من الكتاب الكبار أمثال ميخائيل نعيمة وجبران وماركيز ونجيب محفوظ ودوستوفيسكي ولوركا وغوغول وفولبير وتولستوي ومي زيادة وألبيرتو مورافيا وغوته وكافكا وارنست هيمنغواي وغيرهم  ممّن سبقوا عصرهم في جذب الانطولوجيا الإنسانية وتصويبها، كان لها  الانصباب المجدي في تحفيز مخيّلتي وتدريبها على تلقي وفرز الأحداث.

نبذة مختصرة عن الرواية؟

أصل الرواية يقصّها لوركا عن الامام الغزالي مع التاريخ، حيث أعطى الفتوى ليوسف بن تاشفين لغزو المعتمد بن عباد ثم تراجع وندم، وتحسّس عمامته التي ائتمن روحه المتفانية بأنفاس الورع عليها، فقطب وتحسّر، وتجري الأحداث تنتثر كالزبد على صفحة الموج، يتماوج مرتطماً بصخر المفاجآت المدوية وينصهر لوركا ويذوب في شخص المعتمد بن عباد لإحساسه بالظلم المدقع كما حدث معه، ويشدو الشعر متقمّصاً روح الأخير.

كيف كانت البدايات؟ ومن هم الأشخاص الذين شكلوا مرجعيتك، وساهموا في بناء تصوراتك للواقع؟و بمن تأثرتِ من الكُتاب لتكوين ثقافتك؟

البدايات كانت في سنٍّ صغير جداً، في جوٍّ أدبي بحت، ومكتبة حافلة بالكتب والمراجع، تشرف عليها والدتي التي كانت بدورها شاعرة، وبتشجيعٍ من أساتذتي في المدرسة، وساهم فيها فوزي في لبنان بالمرتبة الأولى في كتابة الشعر عبر مسابقة نظّمتها رابطة لابلياد، وصقلتها قراءاتي لكتّابٍ كبار مثل طه حسين والعقاد وميخائيل نعيمة وغيرهم من الذين ذكرتهم سابقاً.

هل أنت مع أم ضد المعالجة الفكرية والأدبية للتابوهات ؟ وماذا عن المثلية الجنسية والجوارى في رواية سرير الغجري؟

ما دمتُ تناولت هذا الحيّز الحسّاس في روايتي، فبالتأكيد أنا مع هذه المعالجة السيكولوجية الأدبية لها، فيقظة الوعي ترسم أوّل معالمها على يد الكتاب والرسامين والفنانين، قال نجيب محفوظ:”بمجرد أن تخطئ سينسى الجميع أنك كنت رائعاً يوماً ما”، وقد تخلّى مجتمع لوركا ومتابعوه ومعجبوه عن رصده فكرياً وأدبياّ، وتلهّوا بتتبّع حياته الشخصية وجوانبها المشينة بحسب رأيهم، وأعدموه قبل أن يصدر عليه فرانكو حكم الإعدام، بألسنتهم الحادّة وسخيرتهم المريرة، دوري ككاتبة هو تعقبه ابداعيا وانسانيا لا مقاضاته بسوط السخرية والاهانة.

في كتابتك هناك دمج بين الخيال والواقع …إلى أي مدى طغى المتخيل على الواقع في الرواية؟

بين الخيال والواقع خيطٌ رفيع لا يكاد يُدرك بالبصيرة، ولكنّه مثل خط الإستواء يفصل خطوط الجهات، هو بوصلة المواسم الأدبية، يتنكّر بأقنعة تتفاوت بين الحقيقة والتخيّل، وقد احتلّ الخيال نسبة كبيرة في الرواية لأنّ تحرّك الشخصيات لا يمكن أن يرتبط بقلم مؤرّخ، لأنّها تصبح من لحم ودم، تتكلم وتعترض وتهذي وتحب.

هل هناك رابط ما بين كتاب الخطيئة وسرير الغجري؟

لا رابط بين الروايتين إلّا بنوع الفن الذي تنتمي إليه كلّ منهما، وهو فن الرواية التاريخية، أمّا التفاصيل والأحداث فتختلف اختلافاً مبيناً.

هل كانت رسالتك تسعى لتوظيف الماضي وإسقاطه على الحاضر؟

فعلاً، تجلّى الهدف الرئيسي للرواية في الإضاءة على المنابر الهامّة في تكرير التاريخ مع تغيير الوجوه فقط، فالظلم قائم، والسياسة ما زالت ترتبط بالدين كظلٍّ لها، مع أهميّة فصل الإثنين عن بعضهما البعض لإعطاء كل ذي حقٍّ حقه، والتمادي في الاعتداء على حريّات الشعراء والمفكرين دون رادع أو واعز.

كيف ترين التجربة النسائية اللبنانية في الكتابة؟ وهل توافقين على تعبير الأدب النسوي؟

التجربة الثقافية للنساء في العالم العربي كله تتبلور وتعكس ظلالاً بنفسجية رائعة، والأدب النسوي مصطلح لا أؤمن به لأنّ الأدب هو نفسه لدى المرأة والرجل على حد سواء، ولا يمكن فصل الأدب وتنويعه بين جنسي فهذه عنصرية وعدائية لكلّ منهما.

لغتك كالتطريز بالحرير، جميلة بتناغمها وشعريتها، فما الذي يميزك عن الاخرين وأين تكمن خصوصيتك؟

تطويع اللغة وتسليسها يكمن في قدرة الكاتب على التلاعب بها دون الإخلال بالقواعد العامة، أنا مع التجديد في صياغة الجمل وعكس العبارات وحياكتها وتطريزها بثوبٍ جديد، التناغي بين الحروف الناطقة التي تتحكم بنا مناجاة ذاتية لا يدركها إلا الكتاب.

هل يمكن الحديث عن قصة لبنانية نسائية تميّزها عن القصّة النسائية في الوطن العربي؟

صداقتي بالأديبة الراحلة اميلي نصرالله، وقراءتي لروايتها “طيور أيلول”، جعلت تصوّري للمناخ القروي الذي نسجته في أديمها يميّزها عن باقي القصص في البلدان الأخرى، كما تميّز الكاتب ابراهيم الكوني بأدب الصحراء، فقد عبرت ذاكرتنا بحكاية رسخت فيها رغم بساطتها، جسّدت طبيعة المكان والزمان وخصوصيته الحميمة.

ما هي أمنيتك المستقبلية؟

أمنيتي أن أصل لقلوب القراء لأن محبة الناس تطوي حجب الظلام وتفتح منافذ للنور وعطر المحبة.

بماذا تحلمين لـ لبنان – مصر – العرب ؟

في هذه الظروف الصعبة أتمنى للعالم العربي بل العالم بأسره أن يتحرّر من الأغلال الخانقة التي تكبّله، أن يختفي وباء الكورونا ليكون الجميع بمأمن منه، وأن تعمّ الديموقراطية لأنّها الحرية بتفاصيلها، وقد قال محمود درويش عندما سئل عن الوطن:”ما هو الوطن؟ ليس سؤالاً تجيب عليه وتمضي، انه حياتك ومسؤوليتك معاً”.

كلمة أخيرة!

شكراً للحوار الذي سبر أغوار نفسي بغلالة شفافة من الحميمية والصدق، وعمل الكاتب في النهاية هو رصد النفوس البشرية وليس الحكم عليهم كما فعلت مع لوركا في سريره الغجري.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق