جعفر العمدة..كثير مثل الإثارة قليل من المنطق!

1٬755

نبيل عمر 

لا أستطيع إلا أن اصفق بشدة للمخرج محمد سامي في مسلسل جعفر العمدة، فهو مخرج موهوب شاطر في صناعة التوليفة التي تأخذ بمشاهر الجمهور، في إيقاع جيد، بالرغم من قلة الأحداث في المسلسل الذي يقترب عرضه من 16 ساعة في 30 حلقة،  لكنه يغطي قلة الأحداث بسسلسلة من المفاجأت والانقلبات الدرامية التي تصنع مزيدا من التشويق والترقب!

ولا يمكن أن نتجاهل أن “جعفر العمدة” كان طبق الحلو الأول على مائدة المصريين والعرب من الخيلج إلى المحيط، ولا نريد أن نتفلسف ونبحث عن أسباب ومبررات هذا الاقبال عليه،، فالفن قرين المتعة لا الفكر، ومحمد سامي صنع هذا بحرفية، سواء كانت بعض أحداث مسلسله تفتقد المنطق أو غارقة في المصادفات أو تلعب على “تيمة” قديمة، هو نفسه عزف عليها في مسلسل البرنس قبل ثلاثة أعوام، لكن بتفاصيل مختلفه إلى حد ما،( ” الضنا” الضائع أو المخطوف: بنت في البرنس ولد في جعفر)، (الصراع الشرس الذي لا يعرف قواعد أو أخلاق: بين الأخوة من أمهات مختلفة في البرنس،  بين عائلتين وعلاقة نسب في جعفر)، (شر مطلق: فتحي أخو البرنس، دلال زوجة جعفر)، (تلفيق اتهامات “الاعتداء على زوجة أخيه وسرقتها” في البرنس، دس مخدرات في شنطة سفر جعفر)..وهكذا.

ومحمد سامي من نوعية المخرجين الذين عيونهم على الجمهور وليس على قيمة العمل الفني، لا أقصد أن عمله تنقصه القيمة، لكن القيمة تأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة بعد صناعة التشويق والإثارة والتيمة الشعبية، فهو ينفذ إلى مشاعر المتلقين ولا يخاطب عقولهم، يتفنن في أن يجعلهم يتقافزون حول شاشة التليفزيون وهم يتابعون الحلقات:  لماذا خطف بلال شامة ابن جعفر؟، متي يعرف جعفر أن سيف الذي يصاحبه هو ابنه المخطوف؟، هل يخرج جعفر من تهمة جلب المخدرات ولا يسجن؟، كيف يكتشف خداع دلال وأنها وراء كل المصائب التي وقعت له؟، ما هو شكل الصدام مع شوقي فتح الله بعد أن يعثر جعفر على ابنه؟..وهكذا.

لا يهم أن يكون منطق الاحداث منضبطا ومستقيما أو تنمو الأحداث الفرعية حوله في سياق الأصل الدرامي وليست مجرد انحرافات تملأ أوقات فراغ في 16 ساعة دراما عن حكاية بسيطة، أب مزواج يبحث عن ابن مخطوف، لكن شطارة محمد سامي تجعل ملأ الفراغات مثيرا وليس رتيبا، خاصة وهو يستعين بمؤثرات جيدة للغاية، كالموسيقي التصويرية والغناء والديكور والفخامة في الأزياء والسيارات والدموع المنسابة على الخدود والصدمات.

صحيح أن الفن تقليد للواقع وليس نقل الواقع حرفيا، لكن صناعة هذا الواقع الموازي لها شروط فنية طالما ليس عملا فانتازيا، وهوارتباط  الواقع الفني بـ “قوانين” الواقع الفعلي، قد لا يكون ارتباطا حديدا فالفن يسمح بقدر من حرية الحركة، لكن دون أن يصل إلى “إهمال القوانين الحاكمة، مثلا: هل يمكن لزوجة أن تخلع زوجها دون أن يدري ثم تعيش معه في الحرام سبعة أشهر في حي شعبي وتعلن ذلك عل الملأ؟، مستحيل، ليس لأن الواقع لا يعرف حراما، لكن لأن قضايا الخلع لها إجراءات حاكمة، طبعا يمكن أن تخلع زوجة زوجها دون أن يعرف لكن في “ظروف خاصة”، كغياب الزوج خارج البلاد، أو فاقد القدرة على الحركة والنطق..الخ، لكن أن تخلعه دون علمه وهي تعيش معه في بيت عائلة معروف بالحي، هذا كثير، والمهم إذا كانت قد خلعته قبل سبعة شهور من اعترافها فهذا معناه أن رفعت قضية الخلع قبلها بشهور طويلة، يعني نحن نتحدث عن حالة خداع يومي لمدة تزيد على سنة، محاكم واستدعاءات وجلسات..الخ.

وفجأة تتزوج  شوقي فتح الله عدو العائلة الخارج من السجن دون مقدمات في مفاجاة كالقنبلة، ليست للزوج المخلوع ولعائلته، بل ربما للمخرج نفسه.

طبعا ثمة مصادفات مذهلة..الأب والأبن المخطوف أصدقاء، السيارة المتربصة تدهس بلال شامة في اللحظة الي يطارده فيها جعفر ولا يموت، دس المخدرات في شنطة جعفر في مطار دولي، دخول شوقي حلبة  البحث عن بلال شامة، وصول جعفر إلى بيت عايدة في اللحظة التي تغادر فيه النسوة اللائي اسقطن حملها ضربا، مواجهة سيد مع وداد في لحظة لقائها مع عشيق جديد..الخ، وفي الحقيقة هي مصادفات تعجب الجمهور كثيرا.

عموما المسلسل فيه متعة وجاذبية وإثارة لا يمكن إنكارها، وأكسب أداء النجوم ولعا به، خاصة هالة صدقي في دور صفصف أم جعفر العمدة، خفة ظل وحضور طاغ وخبرة معتقة، فكانت بمثابة “العطر الفواح” بين شخصياته، إيمان العاصي في الشر الناعم، أداء فيه نضج وفهم وبساطة، ومن أهم أدوارها على الشاشة، منة فضالي تألقت في الحلقات الأخيرة، في مشاهد المواجهة  مع نفسها ومع جعفر، وهي مشاهد تداوى بعضا من فيروسات الأفكار عن الزواج بأربع نساء دون ضوابط، والتي أصابت الدراما التليفزيونية منذ عائلة الحج متولي.

بالطبع أحمد داش أمامه مستقبل كبير، فقط عليه أن يركز ويشتغل على نفسه ويهمل تأثير الشهرة على تصرفاته الخاصة.

يبقى محمد رمضان، وهو نجم كبير، منحه الله محبة هائلة، وقطها هو موهوب، لكن عليه أن يكسر التابوهات التي حبس نفسه فيها، الفروق بسيطة للغاية بين البرنس وجعفر ونسر الصعيد، وهو قادر على اقناع مخرجين وكتاب سيناريو أن يجدوا له أدوارا متميزة يذكره بها الجمهور، فهو لم يؤد دورا عظيما حتى هذه اللحظة.

باختصار جعفر العمدة مسلسل شعبي مثير وكفى..والناس تجري وراء “صور” غير مألوفة في حياتها.

Visited 1 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه