حرب الذرائع وتبرير التدخل الخارجي

أمريكا وقرن من الخداع والأكاذيب

902

كتب خالد الحديدي

استخدمت الكثير من الحكومات الأكاذيب التي ضللت مواطنيها للحصول على التأييد الشعبي   للدخول في حروب ما .

وسوف نتطرق إلى عدة اكاذيب استخدمتها حكومات مختلفة كذريعة لبدء الحروب. فقديماً كل ما كانت دولة تريد الهجوم على دولة أخرى كان الملك أو الحاكم لهذه الدولة يعلن الحرب على الدولة المراد الهجوم عليها.  كما يقال ان أول ضحية للحرب هي الحقيقة وهذا يعني ان السبب الأول في كسب أول المعارك هو الكذب. ولكن في عصر الديمقراطية لابد من خداع المواطنين كي يقبلوا ذهاب ابنائهم ليموتوا في بلاد بعيده، فنجد ان كل حرب تأتي ومعها جملة من الأكاذيب. والآن ومع وسائل الاتصال السريعة والمنتشرة عالمياً ووعي الشعوب بما يحدث بشكل مستمر يضطر الحكام الراغبين في شن حرب علي بلد اخري اختلاق أسباب تحفز مواطني البلد المعتدي لإيهامهم بانه لابد من “رد الإساءة” الي البلد المستهدف.
وهذا ما سمي بعد ذلك بعمليات العلم الزائف.

وهذه ببساطه كذبه من حكومة علي مواطنيها تشحن الغضب فيهم ضد دوله اخري تريد حكومتهم شن الحرب ضدها، وذلك بشيطنة هذه الدولة في نظر المواطنين لضمان مساندة الشعب لهذه الحرب. وكما سنري ان اغلب هذه العمليات كانت من الحكومات الأمريكية لإقناع الشعب الامريكي بالدخول في الحروب المختلفة.

١ الحرب العالمية الاولي

في ١٩١٥ أغرقت سفينة الركاب البريطانية لوزيتانيا وقتل ١٢٨ من ١٣٩ راكب امريكي علي متنها بعد ضربها بدون سابق إنذار او مبرر من الغواصات الألمانية علي بعد ١١ ميل بحري من أيرلندا. وكانت هذه الواقعة الدافع الذي حفز المواطنين الأمريكيين الاشتراك في الحرب العالمية الاولي ضد المانيا. وكانت اغلب المعلومات الخاصة بهذه الحادثة أما اكاذيب صريحه او اكاذيب عن طريق اخفاء حقائق.  فلم تكن هذه سفينة ركاب بريئة تحمل بجانب المدنيين أطنان من علب الجبن والزبدة كما أشاعوا ، بل كانت تحمل  البارود الي البحرية البريطانية.

لم يغرق السفينة التوريد الذي ضربها من الغواصة الألمانية ولكن الانفجار الذي سببه البارود الذي كان بداخلها والتي كانت تقوم بتهريبه الي بريطانيا. ولَم تكن السفينة ضحية لاعتداء وحشي مفاجئ من المانيا لان السفارة الألمانية في امريكا كانت قد وضعت ٥٠ اعلان تحذر من ضرب السفينة لوزيتانيا المحملة بالمعدات الحربية الغير قانونيه وذلك في الجرائد الأمريكية بجانب الإعلان عن إبحار هذه السفينة. وكان سفير امريكا لدي بريطانيا قد كتب خطاب لابنه ويقول فيه … “ماذا سيحدث لو فجرت وأغرقت سفينة ركاب علي متنها أمريكان؟ فماذا عسي امريكا ان تفعل؟ وهذا ما سيحدث”. وهذا هو ما حدث بالفعل.

٢ الحرب العالمية الثانية

بعد ذلك بحوالي عقدين دخلت أمريكا الحرب العالمية الثانية بعد ان هاجمت اليابان ميناء بيرل هاربور في ديسمبر ١٩٤١ حيث قتل ٢٤٠٠ من البحارة والمدنيين الأمريكيين. بالرغم من ان الرواية الرسمية للحكومة الأمريكية كانت انه هجوم غادر وغير مبرر من اليابان الا ان الحقيقة انه كان رد لاستفزازات قوية من امريكا لليابان ثم السماح لهم القيام بهذا الهجوم.

وكان روزفلت الرئيس الأمريكي قد ناقش موضوع كيفية نصب الشرك لليابان لإطلاق الطلقة الاولي وبعث برساله الي كل القادة العسكريين يقول فيها امريكا تود ان تقوم اليابان بالهجوم الأول الواضح.

فكيف قام روزفلت باستفزاز اليابان للقيام بالضرب؟

في أواخر ١٩٤٠ امر روزفلت بنقل الأسطول الأمريكي من سان بدور الي بيرل هاربور بالرغم من اعتراضات قائد البحرية الادميرال چيمس ريتشاردسون القوية ان هذا سيطيل مسافة توصيل المؤن الي اكثر من ٢٠٠ ميل وانه لا يمكن حماية الأسطول المكشوف للضرب من جميع النواحي والمكدس في الميناء الصغير. ولكن روزفلت أصر وأعفي قائد البحرية من مسؤولياته.

ثم في يونيه ١٩٤١ اقترح وزير الاقتصاد علي روزفلت وضع حظر علي البترول لليابان وذلك قد يسهل عملية الدخول في الحرب لانه سيستفز اليابان اشد الاستفزاز. وبعد عدة أسابيع صادر روزفلت الأصول اليابانية في امريكا وبذلك منعها من إمكانية استيراد البترول الأمريكي والذي كان يشكل أربعة أخماس البترول الذي تستورده اليابان.

وكان لكل ذلك رد الفعل المطلوب واستمع الأمريكيين لتحضيرات الحرب من اليابان ، ووصل لأمريكا تحذيرات من الديبلوماسيين والملحقين العسكريين عن وشوك وقوع اعتداء ياباني.  وحتي جريدة هنولولو ادفرتايزر تنبأت به قبل وقوعه بعدة ايّام. ولكن تم تجاهل كل هذه التحذيرات من إدارة روزفلت. والان وبعد ٨٠ عاماً من الواقعة لازالت هناك مستندات تكشف مدي علم الإدارة بوشوك الاعتداء واصرار الإدارة علي تجاهل كل هذه المؤشرات.

وتحققت أمنيه روزفلت. ووقع الاعتداء الذي اودي بحياة ٢٤٠٠ امريكي وأغضب الشعب الذي التف حول الحكومة الامريكية مطالباً بالقصاص والدخول في الحرب.

حرب كوريا

انهارت عصبة الأمم لأنها لم تتمكن من منع الحرب العالمية الثانية ولذا نجد ان الأمم المتحدة تورطت في أكاذيب حرب بعد تكوينها بفتره وجيزة في محاولة تفادي مصير عصبة الأمم.

حرب كوريا التي شنت تحت لواء الأمم المتحدة واتخذت الذريعة الإنسانية بأنفاذ أهالي جنوب كوريا من الاعتداء الوحشي للشيوعيين من كوريا الشمالية، هي حرب لم يكن من المفروض ان تقوم من الأصل. لم يكن تقسيم كوريا الي شمال وجنوب شئ من مطالب البلد نفسها بل جاء في مقال في جريدة فورين بوليسي انها فكره جيده تقسيم البلد ووضع ادارتها في أيدي الحلفاء بما فيهم روسيا. وعندما قامت الأمم المتحدة بعد تأسيسها بفتره قصيره بتطبيق هذه الخطة في ١٩٤٥ فقسمت كوريا عند خط عرض ٣٨ الي كوريا الجنوبية تحت إدارة أمريكا وكوريا الشمالية تحت إدارة روسيا.

والحرب ايضاً لم تنبع من الشعب الكوري. في ١٩٤٩ كتب اوين لاتيمور العامل في مؤسسه علاقات الباسيفيكي (المموله من كارنيجي روكفلر) والذي ايضاً كان يعمل كمستشار لوزارة الخارجية في شئون جنوب شرق اسيا، كتب انه ما يحب عمله هو ترك كوريا الجنوبية تقع ولكن بحيث لا يظهر اننا دفعناها لذلك. في العام التالي القي دين اتشيسون وزير الخارجية الأمريكي بخطاب في نادي الصحافة القومي وضع فيه كوريا الجنوبية خارج نطاق الدفاع الامريكي وقال ان كل ما هو خارج النطاق يعتبر مسؤولية الدفاع عنه تابعه للأمم المتحدة. فاعتبرت كوريا الشمالية هذا التصريح بمثابة ضوء اخضر فهجمت علي كوريا الجنوبية بما لديها من عتاد من الاتحاد السوفيتي.

بدأت الحرب في ٢٧ يونيه ١٩٥٠ ، ثم قامت الامم المتحدة بإصدار قرار تطلب فيه من الدول العون العسكري لإعادة الهدوء والسلام للمنطقة. وكان الاتحاد السوفيتي عضو في مجلس الأمن ويحق له النقد ولكنه فضّل الاحجام عن التصويت بالكامل.

وقاد هذه القوه الجنرال ماكارثي وتمكن من صد الهجوم وإعادة القوي المعتدية ولكن عندما حاول القيام باستكمال المهمة أوقفه الرئيس ترومان عند الخط ٣٨ لعدم وجود إمكانية مواجهة قوات روسيه او صينيه. وكتب مكارثي بعد ذلك انه لم يصادف مثل هذه الأوامر في تاريخ امريكا او العالم والتي إصابته بالصدمة الشديدة والتي أسفر عنها كل ما حدث بعد ذلك.

لم تنتهي الحرب الكورية الدموية باتفاق سلام بل بوقف لإطلاق النار ولَم توحد البلد بل تم تأسيس منطقه منزوعة السلاح بينهما. قتل حوالي ٣ ملاين مدني من جراء هذه الحرب ومزقت الدولة إرباً تحت لواء الامم المتحدة وباسم حركه عسكريه لم يكن من المفروض ان تصل الي حرب من الاصل.

٤) حرب فيتنام

في اغسطس ١٩٦٤ كان الرئيس چونسون يبحث عن ذريعة لتضخيم التدخل العسكري الامريكي في فيتنام وفِي ٢  اغسطس ١٩٦٤ وجد هذا العذر في بلاغ من المدمرة مادوكس التي كانت من المفروض انها تجوب في المياه الدولية انها هوجمت بزوارق توربيد من فيتنام الشمالية في خليج تونكين.  وبعدها بيومين أبلغت عن هجوم اخر، فقام چونسون بإصدار الأوامر بالرد ووقع علي مذكرة خليج وتمكين وبدأت حرب فيتنام.

وبعد أعوام طوال علي حرب فيتنام تكشفت الحقيقة وان قصة المدمرة مادوكس كانت حزمه من الأكاذيب. لم تكن تجوب المدمرة ما دوكس في سلام في المياه الدولية بل كانت جزء من القوه المساعدة لفيتنام الجنوبية في الإغارة علي الشمال.  وفِي يوم ٢ أغسطس لم يعتدي عليها بل هي التي قامت بالاعتداء وفتح النيران اولاً وكما أوضحت مكاتبات الأمن القومي التي صرح بتداولها بعد ٤٠ عام علي الموقعة فإن الاعتداء الثاني علي المدمرة في ٤ اغسطس لم يحدث من الاصل.

ولكن كل هذه كانت تفاصيل لم يعلن عنها في وقتها كي يتم تحفيز المواطنين لمساندة الحرب وقد حدث.

٤ حرب الستة ايّام

حرب الستة ايّام بين اسرائيل من ناحيه وكل من مصر وسوريا والأردن كانت حرب اخري بدأت بذريعة مبنيه كلها علي الاكاذيب.

عندما هاجمت اسرائيل مصر وضربت مطاراتها ادعت انها ترد هجوم مصري عليها ولكن سرعان ما ظهرت حقيقة هذه الكذبه فلم تكمل فيها اسرائيل.

ثم قالوا انهم استخدموا الضربة الاستباقية للدفاع ضد حرب كانت تزمع مصر القيام بها والتي كشفت انها ايضاً كذب لان حتي إسحاق رابين صرح بعد ذلك ان مصر لم يكن لديها اَي نية الحرب.

وبعد ذلك وفِي حادثه غاية في البجاحه حاولت إسرائيل توريط أمريكا في الحرب بالهجوم علي السفينة “ليبرتي” وهي سفينة تجسس أمريكية كانت واقفه قرب المياه الإقليمية المصرية تتجسس وتحصل علي المعلومات الالكترونية. وكان الهجوم الإسرائيلي بالطائرات الحربية وزوارق التوريد هجوم متصلب فضربت المركب مراراً وتكراراً دون هوادة حتي بعد إرسال استغاثت وإظهار العلم الأمريكي كي لا يترك مجال للشك في هويتها.

وبعد ساعه ونصف من الضرب المستمر سحبت إسرائيل الهجوم ثم قدمت “اعتذار” انها “أخطأت” هوية المركب. ولكن لم تكن خطاء ففي ٢٠٠٧ أكدت وثائق الأمن القومي علي رسائل رصدت من إسرائيل تؤكد معرفتهم ان السفينة أمريكية وليست مصريه كما زعموا واكملوا في زعمهم.

والان يؤكد جموع المؤرخين ان الاعتداء علي سفينة التجسس الأمريكية كانت حركه جريئة من إسرائيل في محاولة توريط أمريكا في هذه الحرب ضد مصر. ولكن هذه الواقعة أخفيت وحتي الان تظهر حرب الستة ايّام علي انها ضربه استباقيه دفاعيه من الإسرائيليين الشجعان ضد العرب  المعتدين.

Visited 10 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه