نبيل عمر يكتب :النهائى الإفريقى وأزمة العقل!

كرة القدم لم تعد مجرد لعبة، بل أصبحت أحزابا وصراعات ومصالح وخناقات وفيديوهات وسفالة وبرامج تعصب وصخب وسويقة

575

نبيل عمر 

نعم يبدو الربط بينهما مستحيلا، فعلا ما علاقة أحداث المباراة النهائية للأندية الإفريقية أبطال الدورى بأزمة العقل العام التى كتبت عنها مرارا، لكن لو تمعنا قليلا فى كيفية التعامل مع قضايانا فى كل أنشطة الحياة، قد نكتشف هذه العلاقة التى تبدو مستحيلة..

أولا..العقل هو حاكم التصرفات البشرية، سواء كانت تصرفات فردية أو تصرفات جماعية، وأداة العقل فى تسيير الحياة هى «منهج التفكير»، والمنهج نوعان، تفكير على طريقة عمال التراحيل أى تدبير الأمور يوما بيوم وحسب ما تأتى بها الأقدار والظروف، ويكون القرار دوما مجرد رد فعل انطباعى على طريقة مرة تصيب ومرة تخيب، أو التفكير العلمى المنظم اى تدبير الأمور على خطط طويلة المدى ومتوسطة وقصيرة ويومية تستند إلى معرفة وإلمام وبحث، وليس إلى انطباعات أو انفعالات، فتكون فرصة القرارات فى إصابة أهدافها بدقة أكبر مئة مرة من أن تخيب.

ثانيا: نحن لا نتحدث عن مباراة نهائية فى قارة إفريقيا فحسب، وإنما نتحدث عن إدارة رياضة كرة القدم فى بلادنا، نموذج يجسد أزمة العقل العام، وكرة القدم عندنا لم تعد مجرد لعبة، بل أصبحت أحزابا وصراعات ومصالح وخناقات وفيديوهات وسفالة وبرامج تعصب وصخب وسويقة..وربما تساءلنا جميعا عشرات المرات: هل يعقل فى دولة لها تاريخ مصر أن نعجز عن إدارة هذه الرياضة بكفاءة؟، هل الفشل فى إدارة الكرة يفسر أسباب تعثر مؤسسات وشركات عامة وخاصة فى قطاعات مختلفة؟، فالعقل الحاكم فى كرة القدم لا يختلف كثيرا عن العقل الحاكم فى أنشطة أخرى.

وقبل كل شىء علينا أن نعترف ونقر أن مصر تملك عقولا جبارة وكفاءات هائلة فى مجالات المعرفة والعمل والحياة، لكنها عقول فردية وكفاءات فردية، تحفظ لنا قبس من نور يضيء الطريق وتحمينا من العتمة الشديدة، لكن وحدها دون أن تنتظم فى تيار عام لا تستطيع أن تقلب ذلك القبس إلى «شمس» ساطعة تشع فى سمائنا بالحضارة والتقدم والطفرة التى نحلم بها.

كما أن أعدادا من هذه العقول الممتازة مهملة أو لا تعمل بكامل كفاءتها وإمكاناتها، لأن بعض نظم العمل طاردة لهذه المهارات التى تسبب قلقا لمن حولها، بينما تفتح أبوابها وشبابيكها وأذرعها «للعقول المتوسطة» التى لا تسبب قلقا من أى نوع.

ونبدأ بسؤال بسيط للغاية: لماذا انتهت كل منافسات كرة القدم فى أغلب دول العالم ولم يبق إلا القليل فى الأجندة الدولية، بينما نحن مازلنا فى منتصف الطريق وربما أقل؟، أية أسباب تقال هى حجج وتبريرات تبين عجز العقل عن «كفاءة التنظيم»، فلسنا وحدنا الذين لعبنا فى بطولة إفريقيا وتصفيات التأهل لكأس العالم وبطولة العرب وبطولات الأندية الإفريقية، تقريبا لعبت الدول العربية فى إفريقيا وآسيا مثلنا.

أما الدول الأوروبية فقد أضيفت إليها بطولتان هما كأس الدورى الأوروبى للمنتخبات، وبطولة المؤتمر الأوروبى للأندية، وبالرغم من هذا اكتملت المسابقات فى توقيتاتها المعتادة، ناهيك أن أندية الدورى الإنجليزى اشتبكت فى 6مسابقات، ثلاثة محلية وثلاثة أوروبية دون أزمات.

كيف نعجز لسنوات طويلة عن تشكيل مجلس إدارة كفء لإدارة اتحاد كرة القدم؟، هل المجلس هو تمثيل واقعى لأحوال مجالس إدارات الأندية المصرية بدرجاتها المختلفة؟، هل ثمة خلل فى اللوائح والقوانين المنظمة للعضوية؟، هل التناحر والشخصنة وضعف الوعى العام وألاعيب السيطرة هى سبب هذه الاختيارات؟

وبالطبع فى وجود مجلس إدارة غير كفء تشتعل المشكلات فى لجان التحكيم والمسابقات وفض المنازعات..الخ. صحيح أن الأندية المصرية هى سيدة البطولات الإفريقية، وهى عبارة صحيحة، لكن لو فسرناها سنجد ناديا واحدا فاز بتسع بطولات فى القرن الحادى والعشرين هو النادى الأهلى وبطولة واحدة للزمالك، ولم أحسب كأس السوبر فهى ليست بطولة بالمعنى الحقيقى، مجرد مباراة واحدة، لا يزيد تقييمها فى الإحصاءات الرياضية بأكثر من نقطة يتيمة، وبطولة واحدة لأبطال الدورى تعادل خمسة كئوس سوبر. والنادى الأهلى حالة استثنائية فى الرياضة المصرية لأسباب تاريخية متوارثة تتمسك بها مجالس إداراته ويعضدها دوما أعضاؤه وجمهوره. نأتى إلى المباراة النهائية، ونستبعد فكرة مؤامرة اتحاد الكرة المصرى فى إهمال الرد على خطاب الاتحاد الإفريقى لاستضافتها، فعدم الرد جزء من العقل المعطوب أكثر من المؤامرة، فالأهلى لم يكن أصلا لعب أول مباراة فى مجموعته، ولا الزمالك أيضا الذى كان فى المجموعة الرابعة، ويبدو أن فكرة تنظيم النهائى لم ترد على البال ولا الخاطر، وأتصور أن ضجيج المؤامرة هنا هو مظهر من مظاهر أزمة العقل.

ولا أعرف سببا لكل هذا الغضب والحسرة والحزن لخسارة بطولة ومباراة نهائية، صحيح أن الأهلى لعب فى ظروف غير عادلة تماما، ولا تمت بصلة للمنافسة النزيهة، لكن متى كان الاتحاد الإفريقى عادلا ونزيها، أن ما حدث مثلا للجزائر فى المباراة الفاصلة للتأهل إلى نهائيات كأس العالم 2022 جريمة رياضية بكل المقاييس، جريمة متعمدة لإقصاء الجزائر وإحلال الكاميرون محلها، فالحكم لم يلغ هدفا صحيحا للجزائر أو حرمها من ضربة جزاء، حتى ضد حكم الفار، بل احتسب هدفا غير صحيح للكاميرون راجعه فيه حكم الفار أكثر من مرة دون جدوى. ومتى كان الفيفا نفسه عادلا، إلا فى القضايا الفردية. شىء طبيعى أن يعمل فوزى لقجع فى منصبه بالكاف لمصلحة الأندية المغربية، ولا يمكن أن نلومه عليه أو نسىء إليه.

أتصور أن الأهلى لعب متوترا ومرتبكا تحت تأثير ضجيج السوشيال ميديا والفضائيات، ألم يكسب أكثر من نصف بطولاته خارج أرضه؟.

الأهلى أكبر من أى بطولة فلا تصغروه بالعزاء على مباراة غير عادلة.

Visited 9 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه