صدام قالها قبلاً وانتهى… فهل يواجه خامنئي المصير ذاته؟

0 69

كتب : فرشوطي محمد

لحظة وعي في بيت عراقي

كنا نجلس على الأرض في أحد بيوت بغداد، في منتصف الثمانينيات، نتابع على شاشة التلفاز خطابًا ناريًا للرئيس العراقي صدام حسين. بنبرة المنتصر، يومها أعلن صدام أن العراق بات يمتلك أسلحة قادرة على تدمير إسرائيل.

لحظتها التفتُّ إلى صديقي العراقي وقلت له بهدوء:

“لقد انتهى صدام.”

نظر إليّ بدهشة، فتابعت:

“إسرائيل لا تنسى ولا تغفر لمن يهددها وجوديًا  . سيجعلونه يدفع الثمن، إن لم يكن اليوم فغدًا. هم لا يواجهون مباشرة… إنهم يزرعون ويخططون لسنوات.”

كانت تلك اللحظة أشبه ببذرة وعي نمت داخلي مع مرور السنين، وأدركت لاحقًا أن كل من هدد إسرائيل علنًا، وجد نفسه داخل دائرة التصفيات، سياسيًا أو عسكريًا. صدام، القذافي، وحتى الأسد، لم تكن المسألة في خطاباتهم، بل في رمزيتهم كتهديد “غير قابل للتطويع”.

إيران بعد “طوفان الأقصى”: تصعيد بلا سقف

الهجوم الأخير على العمق الإيراني – والذي تميز بدقة استخباراتية وتنسيق صامت مع واشنطن – ليس مجرد رد على دعم طهران لحركات المقاومة الفلسطينية، بل يأتي في سياق استراتيجية أوسع، بدأت قبل سنوات، وبلغت ذروتها بعد عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023.

العدوان الإسرائيلي المكثف على غزة، وما تبعه من أزمة أخلاقية ودبلوماسية غير مسبوقة لتل أبيب، دفعها إلى البحث عن مخرج يعيد خلط الأوراق ويبدل مسارات الصراع.

إيران، بصفتها الداعم الأكبر للمقاومة في المنطقة، تحوّلت تلقائيًا إلى هدف أول. لكن الاستهداف لم يقتصر على منشآت نووية أو قواعد صاروخية؛ بل تعداه إلى قيادات الحرس الثوري، ومواقع حساسة، وحتى بنى تحتية تُعد جزءًا من رمزية النظام. هذه الهجمات تحمل رسالة مزدوجة: الردع والتقويض.

البُعد العقائدي: ما بعد العتبة الرمزية

في منطق المواجهة التقليدية، كانت إسرائيل تتفادى استهداف رموز النظام الإيراني بشكل مباشر، معتبرة ذلك تصعيدًا مفرطًا. اليوم، تغيرت الحسابات. تسلسل الضربات، وتزامنها مع تحركات إعلامية وميدانية، يوحي بأن طهران لم تعد محصّنة، لا سياسيًا ولا شخصيًا. ورغم النفي الرسمي من تل أبيب لنية اغتيال المرشد الأعلى علي خامنئي، فإن تحليل العمليات يشير إلى أن رأس النظام لم يعد خارج إطار الاستهداف المحتمل.

ان إسرائيل – وبدعم ضمني أو صريح من قوى غربية – لم تعد تفرّق بين البنية العسكرية الصلبة، وبين تلك الرمزية التي تمنح النظام الإيراني شرعيته وامتداده العقائدي.

إذا كان اغتيال خامنئي أو تفكيك منظومة ولاية الفقيه لا يُناقش علنًا، فإنه مطروح ضمن السيناريوهات المتقدمة على طاولة القرار في تل أبيب وواشنطن.

نهاية الحصانة: إعادة تشكيل الشرق الأوسط؟

ما تشهده المنطقة اليوم ليس مجرد فصول من حرب استخباراتية أو تصعيد عابر. نحن أمام مشروع استراتيجي لإعادة صياغة ميزان القوى في الشرق الأوسط.

وكما سُحقت بنى الدولة في العراق وليبيا واليمن والسودان وغيرها، يبدو أن إيران تتجه إلى مسار مشابه، وإن كان أكثر تعقيدًا نظرًا لطبيعة نظامها وتوازناتها الإقليمية.

هذا التغيير لا يأتي من فراغ، بل هو نتيجة تراكمات: دعم طهران لحلفاء مسلحين، خصومتها العميقة مع إسرائيل، وقوة خطابها المعادي للنفوذ الأمريكي. لكن الأهم، أن القوى الكبرى لا تغفر لمن يهدد أمن إسرائيل وجوديًا، حتى لو كان ذلك مجرد تصريح عابر على منصة إعلامية.

ومنذ أن وعد صدام حسين بـ”تدمير إسرائيل”، بدأت ساعة نهايته. واليوم، مع تصاعد الاستهداف لإيران، يبدو أن النظام الإيراني يقترب من اللحظة نفسها.

ليست المسألة نووية فقط، بل أيديولوجية، سياسية، وحتى رمزية. ومع أن مصير النظام في طهران لم يُحسم بعد، فإن مسار الأحداث يوحي بأننا أمام مرحلة جديدة: مرحلة نهاية الحصانات التاريخية، وتفكك المعادلات التي صمدت لعقود.

الشرق الأوسط يُعاد تشكيله، لا عبر الطاولات المستديرة، بل عبر الصواريخ، والاغتيالات، والتحالفات الرمادية.

اقرأ أيضا:
صرخة الإنسانية وصمت القتلة
شجاعة وتحدي: قصة نساء يصنعن التاريخ بثورتهن ضد القمع 

Visited 15 times, 1 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق