استقالة لوكورنو تكشف هشاشة المشهد الحزبي وتضع ماكرون أمام مأزق جديد

نجاة أبو قورة

0 64

نجاة أبو قورة, تعيش فرنسا واحدة من أعقد أزماتها السياسية في السنوات الأخيرة، بعد استقالة رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو من منصبه، عقب أقل من شهر على تكليفه بتشكيل الحكومة، في خطوة تعكس عمق الانقسام داخل المشهد السياسي الفرنسي وتهدد بمزيد من الاضطراب في ثاني أكبر اقتصاد بالاتحاد الأوروبي. تصدع التحالفات وغياب الأغلبية تعود جذور الأزمة إلى تفكك الحزام السياسي الذي حاول الرئيس إيمانويل ماكرون الاعتماد عليه لتشكيل حكومة مستقرة، حيث ضمّ ائتلافه أحزابًا من الوسط واليمين، إلى جانب بعض الأحزاب المعتدلة، لكنه فشل في الحصول على أغلبية برلمانية مريحة. وقد وجّه رئيس الحزب الاشتراكي أوليفييه فور انتقادات لاذعة للحكومة المستقيلة، معتبرًا أنها لا تحمل جديدًا، بل أعادت الوجوه ذاتها، في وقتٍ تتصرف فيه بعض الأحزاب وكأنها تمتلك الأغلبية المطلقة داخل البرلمان. أزمة مستمرة منذ حلّ البرلمان تُعد هذه الاستقالة الفصل الأحدث في أزمة سياسية متواصلة منذ عام 2024، حين قرر ماكرون حل البرلمان بشكل مفاجئ عقب فوز اليمين المتشدد في الانتخابات الأوروبية. ورغم تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة، فإن النتائج جاءت متقاربة بين اليسار (الجبهة الشعبية الجديدة) واليمين المتشدد، دون أن يتمكن أي طرف من تشكيل حكومة قوية. سقوط متكرر لرؤساء الحكومات كلّف ماكرون خلال العام الماضي ثلاثة رؤساء وزراء من تيارات مختلفة — يمين الوسط، الوسط، وأخيرًا اليمين إلا أن جميعهم واجهوا معارضة شرسة في البرلمان، خاصة بسبب السياسات الاقتصادية التقشفية وخطط إصلاح نظام التقاعد. وسقط لوكورنو في أول اختبار برلماني، بعد أن فشلت حكومته في نيل الثقة، مما أعاد البلاد إلى نقطة الصفر سياسيًا. اتهامات مباشرة لماكرون حملت قوى المعارضة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار الرئيس ماكرون مسؤولية الانسداد السياسي، معتبرة أن تجاهله لتوازنات البرلمان هو السبب الرئيسي في استمرار الأزمة. وطالبت زعيمة اليمين المتشدد مارين لوبان بحل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات جديدة، بينما دعا اليسار إلى إعادة الكلمة للشعب ومساءلة الرئيس عن شرعيته السياسية. اقتصاد مضغوط وديون قياسية تأتي الأزمة في وقتٍ يعاني فيه الاقتصاد الفرنسي من تحديات مالية ضخمة، إذ تجاوز الدين العام 3.4 تريليون يورو، ما يعادل نحو 115% من الناتج المحلي الإجمالي، وسط خلافات حادة حول سياسات الموازنة والإصلاح الضريبي وقوانين الهجرة. هل تهدد الأزمة مستقبل الاتحاد الأوروبي؟ يرى محللون أن استمرار حالة عدم الاستقرار في فرنسا وهي الشريك الثاني الأهم في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا قد يُضعف الموقف الأوروبي الموحد في ملفات كبرى مثل الدفاع والاقتصاد والهجرة. ومع اقتراب نهاية ولاية ماكرون في 2027، تبدو باريس أمام خيارات صعبة: إما تشكيل حكومة توافقية جديدة أو الذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة قد تُعيد خلط الأوراق بالكامل في المشهد الفرنسي والأوروبي.

Visited 10 times, 10 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق