……………….. هوَ صحيح الهوى غلَّاب …………………

927

أحمد لطفي

لهذه الأغنية حكاية سأحكيها لك. يقول أحمد رامي واصفًا يوم التقى بـ”أم كلثوم” بأنه يوم العمر. كان “رامى” وقتذاك في باريس، ولما رجع قال له صديقه “محمد فاضل”: “فيه بنت فلاحة من المنصورة بتغنى كلامك، وأنا ضامن أنك ستنسى أحزانك في فقد أخيك الراحل؛ فذهب “رامي” ليسمعها وجلس فى الصف الأول وكانت “أم كلثوم” تغني من غير آلات موسيقية، فطلب منها أن يسمع واحدة من قصائده، فغنت “الصبُّ تفضحه عيونه”، فانبهر “رامي” من هذا الصوت الذي أصبح مُلهمًا له، ومن هنا سارت بينهما علاقة استمرت 50 عامًا، ولم تتوقف إلا بوفاتها وخرج من عندها هائمًا في صوتها عاشقًا له ولها.

الشاهد، سافر “رامي” بعد ذلك بأيامٍ إلى “رأس البر” وظل ينتظر عودتها أربعين يومًا حتى عادت وقدمت حفلة في كازينو “البوسفور” وما إن رأته حتى غنت للمرة الثانية “الصبُّ تفضحه عيونه” تحيةً له؛ ومن يومها أصبحت أم كلثوم ملهمته وأصبحت كل أغاني “رامي” لأم كلثوم ما هى إلا سرد لعلاقتهما معًا.

وكان “رامي” قد اعتاد أن يذهب إلى حفلات أم كلثوم في كامل رونقه وشياكته، وكانت تلك أحد طقوسه، ولم يحدث أن اصطحب زوجته السيده “عطيه” أبدًا لحفلات أم كلثوم، كما كان يجلس دائمًا في المقعد رقم 8 أمام أم كلثوم مباشرة في كل حفلٍ، ولم يتغير المقعد لأن الإذاعة المصرية كانت تمنحه التذكرة.

وقد كتب” أحمد رامي” لأم كلثوم نصف ما غنت تقريبًا، حتى أنها حين كانت تتعامل مع شعراء آخرين، تعرض عليه الكلمات قبل أن تقبلها، وكان هو في بعض الأحيان يُغيِّر كلمة أو كلمتين، وعندما كان على رأس لجنة المراجعه في الإذاعة المصرية، تقدم بيرم التونسي بكلمات “هوَ صحيح الهوى غلَّاب” وعدَّل فيها “رامي” بعض الكلمات قبل أن يلحنها زكريا احمد.

يقول رامي عن “ثومة”: “منذ عرفتها أحببتها الحب كله، وكنت أنا الذي أطلق عليها الاسم الذي أحبته وأحب الناس أن ينادوها به، اسم الدلع “ثومة”؛ لكن الغيرة القاتلة هي التي أدت لحالة من الجفاء الشديد بين “رامي “وشوقي”؛ فقد كان “رامي” يحب أم كلثوم بجنون إلى حد الغيرة من الشاعر أحمد شوقي.

نهايته، “استمرت هذه الحالة قرابة عام حاول خلالها الأصدقاء والأوفياء أن يصلحوا بيننا؛ كما يقول “رامي”، لكن محاولاتهم ضاعت عبثًا، وسافرت هي إلى العراق وعادت ويوم عودتها حاول البعض إقناعي بأن أكون في انتظارها لكني رفضت فعادوا يقولون لي إنها كانت تبحث عني بين الذين ذهبوا لاستقبالها، ولكن الجفوة طالت بيننا”.

وبعد أن تصالحا قرر “رامي” أن يتزوج واحدة من قريباته لينسى حبه لأم كلثوم، لكن المقربين قالوا أنها نكاية فيها، ولما عرفت أم كلثوم، حاولت إظهار الأمر وكأنه لا يعنيها في شيء، حتى التقت بـ “رامي” فكان أول ما نطقت به: “هوَ صحيح يا رامي إنك خطبت وهاتتجوز؟” لكن أم كلثوم ظلت بالنسبة لـ “رامي” عروس الحلم.

ومن عندي أضيف إن “ثومة” كانت بالنسبة لـ “أحمد رامي” هي عروس قصائده وملهمته الوحيدة. كتب لها وعنها، كتب في الهجر والعذاب والحب والمُني والوصال”.

ولم يكد عقد الأربعينات ينتهي، حتى نشب خلاف شديد فرط عقد الثنائي، بدأ بمطالبة الشيخ زكريا بمستحقاته من الإذاعة المصرية من طبع ألحانه على أسطوانات أم كلثوم، الأمر الذي رفضته ثومة، بذريعة امتلاكها تنازلًا خطيًا منه عن تلك الحقوق، لكنها أسرّت لمقربين لها أن زكريا على حق لكنه يبالغ في تلك الحقوق.

رفع الشيخ زكريا قضايا ضد أم كلثوم، وبعد خلاف دام 13 عامًا، وصلت القضية إلى قاضٍ يعشق صوت أم كلثوم ومقطوعات زكريا أحمد، فأزاح القاضي أوراق القضية جانبًا، وقام يذكرهما والحاضرين بأمجادهما السابقة معًا، وأنه لا داعي لهذا الخصام، وهنا قال الشيخ زكريا «لا الفلوس بتدوم ولا الشتيمة بتلزق وأنا لا أقدر على مواصلة التقاضي مع أعزٌ فنانة إلى نفسي” ثم بكى، فبكت أم كلثوم، وقام الحاضرون تصفيقًا، وانتهى بذلك الخلاف الذي استمر لـ 13 عامًا.

واستكمالًا أضيف أن “زكريا أحمد” لحّن “هوَ صحيح الهوى غلَّاب” من مقام “الراست” ومنه انتقل إلى مقام “البياتي” وكأنه أراد أن يستعيد لياقته ويستعرض مهارته في التلحين بالانتقال بسلاسة فائقة بين المقامات؛ وقد قدم “زكريا أحمد” لأم كلثوم عددًا من الألحان الكلاسيكية التي تُعد علامات في تاريخ كوكب الشرق وتاريخ الغناء العربي كله، أذكر منها “الآهات”، “أنا في انتظارك”، “حبيبي يسعد أوقاته”، “أهل الهوى”، “عن العشاق”، كما لحَّن لها عددًا من أغاني أفلامها مثل “الورد جميل”، غني لي شوي شوي”.

طولت عليك.. لكن “الهوى غلَّاب”.. هوى الموسيقى والغناء.

Visited 26 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه