الاتحاد العربي.. ولادة متعسرة أم إجهاض؟

0 761

بقلم د. أمل درويش.

لم يكن يدور في خُلد أحد ممن يعبرون قناة السويس قرب نهاية النصف الأول من عام ١٩٦٧ أنهم سيمرون بأصعب وأطول رحلة ملاحية في حياتهم؛ ففي الخامس من شهر يونيو في هذا العام تفاجأت السفن العابرة لممر قناة السويس باندلاع الحرب بين مصر وإسرائيل، ومهاجمة إسرائيل لسيناء والمطارات الحربية، بل ووصلت ضربات إسرائيل إلى القاهرة، فكانت النيران تتطاير في السماء من فوق هذه السفن، وأُغلقت منافذ القناة حينها بعدما قامت القوات المصرية بإغراق سفن قديمة في مداخل القناة لمنع حركة الملاحة وقطع الإمدادات الحربية لإسرائيل عن طريقها، ولم يُسمح للسفن التجارية بعبورها، فانحصرت في القناة ١٤سفينة من عدة دول وهي:

ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، السويد، النرويج، الولايات المتحدة، بولندا، بلغاريا، وتشيكوسلوفاكيا.

ورست السفن في منطقة البحيرات المرة الكبرى بالإضافة إلى سفينة أمريكية أخرى رست في بحيرة التمساح وغرقت بعدها بفترة قصيرة.

ظلت السفن محاصرة في القناة طوال مدة الحرب مع إسرائيل حتى إعادة فتح حركة الملاحة في القناة عام ١٩٧٥

ولكن رغم اختلاف اللغات والعداء المعروف وتاريخ الحروب العالمية بين هذه الدول إلا أن طواقم هذه السفن تحدوا كل هذه المعوقات وأسسوا “رابطة البحيرات المرة الكبرى” التي كانت بمثابة ميلاد دولة جديدة، لها علمها ونشيدها الوطني حتى أنهم صمموا لها طوابع بريدية خاصة مرسومة باليد كانت تنقش على أظرف الخطابات الموجهة إلى بلدانهم لمراسلة حكوماتهم بالإضافة للطوابع المتعارف عليها،  ومن خلال تلك الرابطة نظموا التعاون المشترك بين السفن فكان هناك ما يشبه نظام المقايضة لتبادل المواد الغذائية والتعاون المشترك لصيانة السفن ومحركاتها وقضاء أوقات للهو واللعب، إذ لم يكن الأمر مجرد عدة شهور بل وصل إلى ثماني سنوات.

فأسسوا نادٍ لليخوت، وملعب لكرة القدم، وأقاموا دورة البحيرات المرة للألعاب الأوليمبية في نفس توقيت دورة الألعاب الأوليمبية المقامة في ميكسيكو سيتي عام

١٩٦٨

ونجح ٣٠٠٠ شخص هم قوام طواقم هذه السفن خلال هذه الفترة ” فقد كانت حكومة كل دولة ترسل طواقم أخرى لتستبدلهم كل فترة” استطاعوا التعايش بسلام وتجاوز الأزمة.

حتى أنهم ظلوا على تواصل بعد عودتهم لبلدانهم..

كل تلك العلاقات والروابط التي نشأت بين هؤلاء الذين لم يجتمعوا على دين أو لغة، كان منبعها الإنسانية والتواجد في نفس المكان، ونحن شعوب ٢٢ دولة وحدهم المكان والدين واللغة فشلنا أن نجتمع ونتعاون ونتشاور ونتشارك..

هؤلاء اجتمعوا تحت علم رابطة واحدة، ونحن فشلنا أن نقيم اتحادًا يوحد صفوفنا ويجمع شملنا، فمتى نفيق من غفلتنا؟

ومتى ننتقل من مرحلة الشعارات الواهية إلى مرحلة التنفيذ الواعية؟

متى نخرج من دائرة الأنا، ونسمو إلى أفق أرحب تكون فيه الكلمة العليا لـ “نحن”؟

بعدما سادت لغة التنابز والتحقير بيننا على برامج التواصل، وصارت هناك حكومات تتفنن في خلق أساليب تعيق بها عمل مواطني دول شقيقة لها فيها وتعاملهم معاملة العبيد متناسية مشاركاتهم في تنمية هذه البلدان..

الاتحاد العربي قادم لا محالة، ودونه لن تُكتب لنا النجاة، فما نرجوه أن تفيق الشعوب وتنأى بنفسها عن التشرذم والتحزب والقبلية المقيتة، ونرجو من الأنظمة والحكومات أن تدرك أن الكراسي والمناصب ما هي إلا منابر مؤقتة وليست دائمة لأحد، يعتليها فقط من يستحق الريادة ومن كان قلبه فداءًا للوطن.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق