من التوابل إلى المهلوسات: متى تصبح جوزة الطيب خطرة؟
مخاطر جوزة الطيب وتأثيرها المهلوس عند الجرعات العالية
كتبت : سارة غنيم
لا تكتمل نكهة العديد من الأطباق الشهيرة مثل البشاميل والتورتيليني دون إضافة جوزة الطيب، تلك التوابل العطرية الدافئة ذات الطعم الحار قليلاً. لكن خلف هذا المكون الشائع، يكمن تاريخ حافل بالصراعات العالمية، إلى جانب حقيقة علمية مثيرة للجدل: عند تناولها بكميات كبيرة، قد تتحول جوزة الطيب إلى مادة مهلوسة بسبب احتوائها على مركب “الميريستيسين”، الذي يمتلك بنية كيميائية مشابهة لسلائف مخدر الإكستازي.
الخصائص والمكونات الفعالة لجوزة الطيب
تُستخرج جوزة الطيب من شجرة Myristica fragrans، وهي شجرة دائمة الخضرة تنمو في جزر الملوك والفلبين. تنتج ثمارها مكونين رئيسيين في عالم الطهي: البذور المقشرة، المعروفة باسم جوزة الطيب، والصولجان، وهو الغلاف الذي يحيط بالبذور، ويتميز بنكهة أكثر حلاوة ولون يشبه الزعفران.
اكتسبت جوزة الطيب سمعة “نكهة الجنون” بسبب احتوائها على الميريستيسين والإيليمسين، وهما مركبان في زيتها العطري، حيث يتميز الأول ببنية كيميائية قريبة من السافرول، وهو مركب يستخدم في تصنيع مخدر MDMA (الإكستازي).
وعلى الرغم من عدم فهم آلية عمله بالكامل، إلا أنه يُعتقد أن الجسم يحول الميريستيسين إلى 3-ميثوكسي ديوكسي أمفيتامين (MMDA)، وهو مركب ذو تأثير نفسي مشابه للإكستازي، يمكن أن يؤدي إلى خفقان القلب، غثيان، تشنجات، وهلوسات تستمر لعدة أيام، وقد يصل الأمر إلى التسمم القاتل.
هل جرعات الطعام آمنة؟
بالطبع، لا داعي للقلق عند استخدام جوزة الطيب في الطهي. تظهر أعراض التسمم عند تناول نحو 5 غرامات (ما يعادل حبة كاملة)، أي ما يعادل 1-2 ملغ من الميريستيسين، بينما تحتوي ملعقة صغيرة من مسحوق جوزة الطيب على حوالي 7 غرامات. ورغم الأمان النسبي لاستخدامها في الطبخ، شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا في حالات التسمم المتعمد، إذ يتم إساءة استخدامها كمادة مهلوسة رخيصة، ما تسبب في بعض الوفيات بسبب الجرعات الزائدة.
حقائق مثيرة حول جوزة الطيب
تاريخيًا، وصلت جوزة الطيب إلى أوروبا في القرن الحادي عشر عبر التجار العرب في البندقية، حيث كانت تستخدم لحفظ الطعام قبل اختراع الثلاجات.
في الطب التقليدي، استُخدمت في الصين وآسيا لعلاج الروماتيزم والمغص، بينما اعتبرها الأوروبيون منشطًا جنسيًا ومطهرًا، بل وحتى علاجًا وقائيًا ضد الطاعون الدبلي، نظرًا لاحتوائها على مركبات طاردة للبراغيث الناقلة للمرض.
كانت السيطرة على تجارة جوزة الطيب سببًا في صراعات بين القوى الاستعمارية الكبرى، خاصة بين البريطانيين والهولنديين، حيث دارت معارك طاحنة للهيمنة على جزر باندا، موطن زراعة هذه التوابل الثمينة.
في النهاية، استحوذت شركة الهند الشرقية الهولندية على جزيرة ران، المعروفة بإنتاج كميات هائلة من جوزة الطيب، بينما تخلى الهولنديون للبريطانيين عن مستعمرة صغيرة وغير مهمة آنذاك: نيو أمستردام، والتي نعرفها اليوم باسم نيويورك، إحدى أعظم مدن العالم.
تظل جوزة الطيب واحدة من التوابل الأكثر شعبية في العالم، تجمع بين النكهة المميزة والتاريخ الغني. لكن كما هو الحال مع العديد من المكونات الطبيعية، فإن الجرعة تصنع الفرق بين النكهة والفخ، فبينما تعزز بضع رشفات منها مذاق الطعام، قد يتحول الاستهلاك المفرط إلى تجربة خطيرة ذات عواقب غير متوقعة.
التعليقات متوقفه