كتب خالد الحديدي
يمكن القطع بأن كتاب فرج فودة «نكون أو لا نكون» ليس الكتاب الوحيد الذى تسبب فى اغتياله وإنما كل مراجعاته الجريئة والاشتباكية مع الذهنية المتكلسة الرافضة للمراجعة والفرز والتجديد، فقد أدى الكتاب لاستشهاده ولكن عاشت الفكرة.
لقد أصدر «فودة» مجموعة من الكتب المهمة التى تشكل فى مجملها سياقاً عاماً وطرحاً مجملاً لمراجعة القناعات الإيمانية والفكرية التى تصر على الجمود ومن هذه الكتب «الحقيقة الغائبة» و«زواج المتعة»، و«حوارات حول الشريعة»، و«الطائفية إلى أين؟»، و«حوار حول العلمانية»، و«قبل السقوط».
لقد كانت رؤى فرج فودة فرزية على نحو أثار حفيظة الإسلاميين الاتباعيين لا المجددين ولم تقتصر مراجعاته على ما هو دينى فقط، وإنما امتدت لتشمل الملمح الفكرى والتاريخى والسياسى كما كان كاشفاً لفكرة استثمار الدين فى تحقيق مغانم سياسية، وبالأخص جماعة الإخوان.
ولكن يظل كتابه «نكون أو لا نكون» من أهم الكتب التى أثارت الكثير من الجدل وأثار حفيظة الإسلاميين حتى إن الأزهر والذى يتعين أن يظل منارة للوسطية ومنوطاً بتجديد الخطاب الدينى طالب بمصادرة الكتاب، ومن المدهش أن الأزهر لم يعترض من قبل حين نشرت فصول الكتاب فى مقالات نشرت فى إصدارات مصرية، إلى أن أصدر فودة المقالات فى كتاب «نكون أو لا نكون» فى عام 1990 وأمر الأزهر بمصادرة الكتاب بعد طبعه، إذ تضمن نقداً حاداً لشيخ الأزهرالشيخ جاد الحق على جاد الحق نتيجة اتهامه المدافعين عن الدولة المدنية بالخارجين عن الإسلام، وهو ما اعتبره «فودة» تجاوزاً لدور الأزهر الرسمى.
ومن القضايا المهمة التى ناقشها فى كتبه المهمة فكرة الخلافة، وهل كان نظام الخلافة إسلامياً حقا، وبالطبع نفى «فودة» الفكرة من أساسها ورأى: «أن الخلافة التى نعتوها بالإسلامية هى فى حقيقتها خلافة عربية قرشية، وأنها لم تحمل من الإسلام إلا الاسم» وأن «الإسلام دين لا دولة، بل إننا نعتقد أن الدولة كانت عبئاً على الإسلام، وانتقاصا منه وليست إضافة إليه».
أما كتابه «الحقيقة الغائبة» فليس كتاباً فى التاريخ وإنما رؤية فكرية وسياسية تستند إلى وقائع وحقائق التاريخ الإسلامى وبمثابة رد على أولئك المتزمتين المتعصبين والمتشددين دينياً، الذين يهربون من التوثيق والتأصيل ويحيكون المخططات الإرهابية القمعية.
وفى كتابه «قبل السقوط» يناقش الدعوة إلى العلمانية، طارحاً المبررات التى يقدمها العلمانيون ومؤكداً أن العلمانية ليست كفراً وإلحاداً كما يزعم خصومها بل هى دعوة لممارسة القوانين الوضعية العصرية لإدارة المجتمعات المدنية ونشر المحبة والتسامح والتكافل الاجتماعى باتجاه إنشاء وتأسيس الدولة المعاصرة القادرة على التخطيط العلمى الممنهج فى خدمة آمال وطموحات الجماهير الشعبية إلى حياة أفضل وأرقى، لا دولة التعصب الأعمى والفكر المنغلق والجاهلية الجديدة والتصفيات الجسدية.
ولقد اعتبر «فودة» أن شروط حد الزنا الموجودة فى الشريعة الإسلامية، خاصة ما يتعلق منها بشهادة الشهود، يكاد يستحيل تحقيقها فى المجتمعات الحديثة، كما تناول دراسات فقهية عن رخص لم تعد موجودة كالتسرى بالإماء وزواج المتعة أثارت جدلاً واسعاً بين رجال الدين، وأورد فرج فودة هذه المقالات والدراسات الفقهية فى كتابه «زواج المتعة».. وكان قد تم اغتيال فرج فودة فى 8 يونيو 1992 بعد أسبوع من المناظرة الشهيرة التى أقيمت يوم 1 يونيو 1992 بمعرض الكتاب بين فرج فودة ومحمد أحمد خلف الله، فى مقابل محمد الغزالى ومأمون الهضيبى ومحمد عمارة، والتى قال فيها إن نقاطا تؤكد فشل ما سماه الدولة الدينية، فهناك فارق بين الإسلام الدين فى أعلى عليين وبين الدولة فهى كيان سياسى واقتصادى واجتماعى.
رحمة الله على الدكتور الشهيد فرج فودة.
التعليقات متوقفه